العنوان الذي اخترته لهذه المقالة هو مقولة لجورج واشنطن أول رئيس أمريكي استذكرتها بعد مشاهدة العرض الذي قدّمه باقتدار لافت الأمير محمد بن سلمان للخطوط العريضة لرؤية المملكة 2030 والتي تمحورت حول توجه المملكة نحو الاستغناء عن النفط كقاطرة للاقتصاد السعودي، وتأكيد سموه بأنه هدف لم يأت كردة فعل للتراجع الحاد في أسعار النفط، لكنه في الواقع طموح يُراود قيادة المملكة منذ منتصف السبعينيات الميلادية. فالنفط ما زال يسهم في الاقتصاد السعودي من خلال ثلاث قنوات: الأولى مساهمته العالية بالناتج المحلي من خلال الأنشطة التي يولدها إنتاجه وتكريره، إضافة إلى كونه مدخلاً للصناعات الأساسية مثل الصناعات البتروكيماوية والمعدنية. والثانية من خلال كونه المكون الرئيس للصادرات، وبالتالي فهو يلعب دوراً مهماً في تصحيح التوازن في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، أما الثالثة فتتمثَّل في كونه يوفر المصدر الرئيس للإيرادات الحكومية لتمويل الإنفاق العام.
تحقيق الانتقال من الإدمان على النفط إلى الاستغلال الأمثل لموارد المملكة البشرية والطبيعية يتطلب بداية وجود قطاعات تولد العملات الصعبة وتعزز إيرادات الدولة من العملات الأجنبية. ولذا يأتي ضمن أولويات الرؤية التوسع في قطاع السياحة الدينية إضافة إلى تشجيع قطاعات موجهة للتصدير للعالم الخارجي لتقليل الصدمات. وحسب الرؤية تستهدف المملكة رفع نسبة الصادرات غير النفطية بنحو ثلاثة أضعاف مستوياتها الحالية (من 16 في المائة حالياً إلى 50 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي بحلول عام 2030). وبالطبع فإن ذلك يقتضي إستراتيجيات أكثر شمولاً تتضمن ليس فقط إصلاح سوق العمل والنهوض بالتعليم، بل أيضاً تأمين دخول الصادرات السعودية إلى الأسواق الخارجية وتخطي الحواجز الجمركية وغير الجمركية المتمثّلة باتفاقيات التجارة الحرة بين الكتل الاقتصادية مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ، وشراكة التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي، فضلاً عن التدابير الحمائية المستترة التي توفرها الدول للصناعات الوطنية.
ولكي تنجح خارطة الطريق في تحقيق الأهداف الطموحة التي حددتها ينبغي بداية التأكيد على أن نمو وتغيير أنماط وسلوك اقتصاد أي دولة عملية ليست سهلة وتحتاج إلى وقت ومثابرة، لكنها بالنسبة للمملكة أصبحت أكثر إلحاحاً لأن النفط في نهاية المطاف ثروة ناضبة. وغني عن القول إن التنمية الاقتصادية الطموحة والتغيير الناجع يتطلب أولاً إعادة هيكلة القطاع العام وتطبيق أنظمة الحوكمة والشفافية والمسألة وقياس الأداء. وهذه بدورها تتطلب تكاتف الجهود وتبني سياسات حصيفة يتم مراجعتها وتعديلها دورياً إذا تطلب الأمر ذلك لتفادي حدوث تشوهات ترتفع تكاليف معالجتها لاحقاً. ولذلك من المهم العمل بشكل دوري على إعادة تقييم الأهداف المحددة والتخلي عن الجهود المتعثرة بلا إبطاء.
ما استوقفني في الرؤية تحديدها الصائب للمزايا النسبية ومواطن القوة والإمكانات والموارد والفرص غير المستغلة لتحويل المملكة إلى قوة اقتصادية عالمية بما يليق بحجمها وقدراتها وطاقاتها الكامنة. وأبرز محاور الرؤية بتقديري أمران:
أولاً: التوجه نحو رفع المحتوى المحلي للنفط والغاز من خلال التوسع في الصناعات التحويلية وصناعة المواد المتقدمة، والرافد المالي هنا سيأتي من خصخصة جزء من أصول أرامكو السعودية ورفع قيمة أصول الصندوق الاستثماري ليسهم بدوره في الاستحواذ على حصص مؤثرة في شركات عالمية تمتلك تقنيات متقدمة يتم استقطابها للاستثمار النوعي في تلك القطاعات في المملكة سواء منها الصناعات العسكرية أو المدنية. ومن المهم التأكيد على أن التركيز على تلك الصناعات وجعلها محركات للنمو وخلق فرص العمل، يتطلب بدوره تشجيع الابتكار والاستثمار في بناء وتطوير قدراتنا المحلية في مجال البحث والتطوير لرفع معدلات الإنتاجية وتعزيز تنافسية الصناعة الوطنية وربط الإعانات والإعفاءات الضريبية بالابتكار.
ثانياً: تحديد برامج زمنية لتنفيذ برامج تلك الرؤية ومشاريعها، في دلالة واضحة على الثقة والالتزام بها من قيادة المملكة.
باختصار حملت رؤية المملكة 2030 في ثناياها، آمالاً وطموحات كبيرة تليق بحجم المملكة ومكانتها الدينية والعربية والعالمية، والمراهنة على تحقيق الأهداف الطموحة يجب أن لا تقلل من حجم التحديات الداخلية والخارجية الضخمة والتي ينبغي أن تسخر لتذليلها كل الجهود والطاقات وصولاً إلى تحقيق الآمال بمستقبل مشرق للمملكة بإذن الله.
- د. عبد الوهاب السعدون
aalsadoun@gmail.com