جاسر عبدالعزيز الجاسر
هكذا دائماً يتم إجهاض الانتفاضات الشعبية التي تفتقر إلى القائد الذي يستند إلى مرجعية سياسية حقيقية علمية، وليس اتباع نزوة ولدتها ردة فعل وقتية بسبب فقدان من دعا للانتفاضة ثقله السياسي أو اختلال التوازن في الكتلة التي ينتمي إليها واتجاه المؤشر الوازن للتمثيل السياسي أو الطبقي وحتى الطائفي إلى قيادات أخرى تقود كتل سياسية أو طائفية تحظى بدعم مالي وسياسي لالتزامها بتنفيذ أجندات ومخططات قوى دولية أو إقليمية وحتى محلية.
هذا جزء من التحليل لما حصل في العراق وهو الجانب الأكبر والمهم، والذي وصل إلى ذروة التراجع الدرامي بعد توجه مقتدى الصدر إلى إيران لقضاء شهرين يعتكف بهما ويبتعد عن السياسة..!!.. هذه الخطوة التي فاجأت العراقيين قبل غيرهم، وصدمت من تظاهر واعتصموا في المنطقة الخضراء في بغداد واقتحموا مبنى البرلمان العراقي والذين يتبع أغلبهم تيار مقتدى الصدر والذين شاركهم في ذلك التيار المدني الديمقراطي فهؤلاء الذين استجابوا لنداء مقتدى الصدر بالتظاهر والاعتصام والذين احتلوا البرلمان، كان يهتفون (إيران بره بره) ومعناها الطلب من عملاء إيران الخروج من العراق وحددوا قاسم سليماني رئيس فيلق القدس الإرهابي بالاسم.
هؤلاء كيف ينظرون إلى سفر زعيمهم مقتدى الصدر إلى إيران وهؤلاء الذين عبروا بعفوية صادقة عن رفضهم للحالة التي وصل إليها العراق بعد بسط إيران وعملائها النفوذ على العراق يتوجه من دعاهم للتظاهر والاعتصام إلى النظام الذي خرب بلادهم وأوصلها إلى الحالة التي من أجلها تظاهروا واعتصموا واقتحموا مبنى البرلمان وكأنه كالمستجير في الرمضاء بالنار؛ هكذا ينظر العراقيون إلى ما قام به مقتدى الصدر.
أما التحليل السياسي لتفسير ما قام به مقتدى الصدر بدءاً من دعوته أنصاره وتياره إلى التظاهر والاعتصام واقتحام البرلمان حتى توجهه إلى إيران إذ يرى المحللون العراقيون والعرب وحتى الأمريكيون، أن حركة مقتدى الصدر تنطوي على ما يلي:
1- احتدام الصراع بين كتل ما يسمى بالتحالف الوطني التي تمثل الأحزاب والتيارات الشيعية والتي تتكون من حزب الدعوة وكتلة دولة القانون التي يرأسها نوري المالكي، وحزب الثورة الإسلامية والتي يرأسها عمار الحكيم، وحزب الفضيلة، ومنظمة بدر وحزب إبراهيم الجعفري الذي انشق عن حزب الدعوة إضافة إلى التيار الصدري.
2- أدت محاولة مقتدى الصدر وتياره وما تمثله كتلة الأحرار في البرلمان من محاولات الانعتاق من هيمنة من نصبتهم إيران إلى عزل مقتدى الصدر وتهميش تياره وكتلته وقطع المساعدات المالية وأي دعم سياسي له.
3- أظهرت إجراءات عزل وتهميش مقتدى الصدر وكتلته وتعظيم نفوذ حزب الدعوة والثورة الإسلامية ومنظمة بدر وتحويلهم إلى قوة سياسية وعسكرية من خلال منظومة الحشد الشعبي أن كل من لا يلتزم بنظرية ولي الفقيه والتبعية لإيران يكون مصيره كمصير مقتدى الصدر.
4- حاول مقتدى الصدر برد اعتباره واستعراض قوته من خلال اللجوء إلى الشارع فدعى إلى التظاهر ثم الاعتصام وأخيراً اقتحام البرلمان وهي دعوات لقيت استجابة من العراقيين الذين أفقرهم السياسيون من كل الكتل والمكونات السياسية وتلاقت دعوات مقتدى الصدر مع رغبات التيارات السياسية الأخرى وبالذات من التيار المدني الديمقراطي الذي يجمع كثيراً من الناشطين السنة والشيعة وهو ما جعل عملاء إيران وملالي إيران يتحركون لإعادة مقتدى الصدر إلى بيت الطاعة (فحاولوا عبر الملا اللبناني حسن نصر الله، وبعد فشله صعد الصدر من تحركاته مما دفع إيران إلى استدعائه إلى إيران لبحث شروط عودته، سواء باستئناف تقديم الأموال أو إعادة الاعتبار له داخل العراق.. إذن ما تم هو تسلق آخر على حساب العراقيين، أما كيف ستتم معالجة الوضع فهو ما سنحاول تلمسه في مقال الغد.