صدر حديثا كتاب بعنوان : نهوض الهند، آمال ومخاوف جديدة، للكاتب الهندي رافي فيلور يستعرض فيه رؤيته للأحداث الهامة في الهند خلال العقد الماضي بدءا من حكم مانموهان سنج وانتهاء بصعود نجم رئيس الوزراء الحالي مودي.
يقول المؤلف رافي فيلور إنه لم يكن مكتوبًا على أقدم حضارتين في آسيا وهما الهند والصين أن يعيشا في تنافس بين بعضهما البعض ، على عكس اليابان، التي استعارت الكتابة الصينية وجزء كيبر من نظامها الفلسفي، ثم بعد ذلك استولت على أجزاء من الصين بعد الانتصار عليها في حرب عامي 1894 و1895، لكن لا يوجد مظالم تاريخية في الصين ضد الهند. في المقابل، معظم الصينيين يتحاشون الحديث عن الحرب الحدودية مع الهند عام 1962 بين الدولتين، لأنها وقعت أثناء فترة مضطربة من تاريخ الصين، وهي حقبة «القفزة العظيمة للأمام».
ويتابع : لكن هناك سرًا يعرفه الصينيون، وهو أن الهند هي الدولة الوحيدة القادرة على تحدي الهيمنة الصينية على آسيا، حتى لو كانوا يكرهون الاعتراف بذلك، فبعد الاختبارات النووية التي أجرتها الهند في مايو 1998، والتي رتبتها الهند بصورة سرية واستطاعت أن تخفيها حتى عن أعين أقمار التجسس الأمريكية، كانت الصين هي التي اتخذت المبادرة في وضع مسودة قرار مجلس الأمن رقم 1172 الذي يدين تلك التفجيرات.
وأوضح أنه بالرغم من كل العبارات المنمقة التي تطلقها الصين فيما يتعلق بتقديرها لرغبة الهند في لعب دور أكبر في الشئون الدولية، من غير المحتمل أن تدعم الصين الطلب الهندي منحها مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وخاصة إذا ما تمتعت بسلطة الفيتو؛ ففي العقلية الصينية لا يمكن أن يكون هناك سوى نمرًا واحدًا يتربع على قمة الجبل. ولكن تطور العلاقات الهندية -الأمريكية -اليابانية ، من منظور المؤلف، أدى إلى تغيير قواعد اللعبة في هذا السيناريو، لأن لا أحد يعلم إلى أين يقودنا هذا الطريق؛ فآخر شيء تريده الصين على عتبة بابها هو نسخة آسيوية من «الناتو». لذلك فإنه من مصلحة الصين، حتى أكثر من المصلحة الهندية، أن تتم تسوية المشكلات الحدودية سريعًا . ويشير المؤلف إلى أن الحديث يكثر الآن عن إقليم «هندي باسيفيكي»، تكون الصين هي المحشورة داخله . وللتخلص من تلك العقبة الكؤود فإن الصين بحاجة إلى هند محايدة وإذا كان الرئيس الصيني «شي جين بينغ» جادًا بشأن رؤيته لمفهوم الأمن الآسيوي الذي يفيد بأن الدول الآسيوية وحدها هي التي تستطيع أن تحدد الأمن في آسيا، فإن الصين ستكون بحاجة إلى البدء في معاملة الهند على أنها ند لها. ولكن مع تباطؤ الاقتصاد الصيني، وصعود الهند إلى مستويات اقتصادية أعلى، فإن الصين ستكون بحاجة إلى الوصول للسوق الهندي الضخم لتصريف بضاعتها وخدماتها. وبصرف النظر عما سيحدث في العِقد القادم، فهناك شيء واضح: لن يحفر أي منهما اسم الآخر على الشجر. ولكن طالما يحرص الطرفان على مراجعة ما يدعو إلى القلق بينهما، واستمرارهما في التواصل مع بعضهما البعض، سيكون هناك تبادلاً صحيًا بين هاتين القوتين الحضاريتين، وحتى الآن فإن ذلك ربما يعتبر خبرا جيدًا بصورة كافية لآسيا. إن أفضل ضمانة للأمن الهندي هو أن تسارع في بناء قوتها الاقتصادية؛ ففي اللحظة الراهنة تقبع الهند خلف الصين بما يراوح من 12 إلى 15عامًا فيما يتعلق بتنميتها، وتلك الفجوة لن يتم جسرها بسهولة، لأن بكين تدير اقتصادها باتجاه نموذج أكثر كفاءة، بينما تستمر الهند في الغرق في أوحال الطرق القديمة في إنجاز الأشياء؛ فرئيس وزراء الهند ناريندرا مودي على دراية بنقطة الضعف تلك ولكن شخصيته الانفرادية تغلق طرق الوصول إلى الأحزاب المنافسة وجماعات المصالح المهمة لبناء الإجماع الذي يجب أن يستند عليه النظام الاقتصادي الجديد.
ويؤكد المؤلف أنه حتى إذا استطاعت الهند - التي لا تزال تنافس في مرتبة متدنية بالنسبة للصين - أن تتفوق على الصين في معدل النمو باثنين في المائة سنويًا في العقدين القادمين، لن يكون لديها اقتصادًا أكبر، وتلك هي الفجوة بين الاثنين. إن الصين تعيد تجهيز اقتصادها لإصلاح الأثر الكبير الذي تركه نموها على بيئتها، أما الهند فلديها الفرصة أن تتجنب ذلك بصورة كبيرة، كما أن النمو الاقتصادي المتسارع مهمًا للتموضع الدفاعي الهندي أيضًا.
ويردف قائلا إن رئيس الوزراء الهندي يعلم أن «القرن الآسيوي» لا يمكن تحقيقه إلا إذا تمكنت الهند والصين من تسوية قضاياهما الكبرى والسماح لازدهار علاقتهما الاقتصادية. وقد حرص الزعيم الهندي على حث الصين على الأخذ في الاعتبار الرؤية الاستراتيجية الشاملة لعلاقتيهما والعمل على تسوية عاجلة للمشكلات الحدودية، ولكن من الصعب توقع حدوث ذلك بسرعة كبيرة، فكلا الطرفين لديهما ما يعيقه حتى الآن.
- رافي فيلور