الجزيرة - أحمد حكمي:
بقدر ما تحمله أودية منطقة جازان من طبيعة فاتنة ومناظر خلابة خاصة في موسم تساقط الأمطار، إلا أن هذه الفتنة تحمل بين أحضانها خطرا يحدق بكل من يحاول التعمق أكثر للاستمتاع بها، وفي الأذهان تلك الكوارث التي حملتها هذه الأودية عندما خطفت العديد من ضحاياها الذين استفزتهم طبيعتها الساحرة، فذهبوا إلى ما هو أبعد نحو المحظور دون مبالاة بكل التحذيرات التي تطلقها الجهات المسؤولة..
«الجزيرة» تحاول من خلال هذا التحقيق الوقوف على الأسباب المباشرة التي تقف وراء ارتفاع أعداد الضحايا ، خاصة تزايدهم في الآونة الأخيرة من خلال إحصائية حصلت عليها «الجزيرة» للسنوات الخمس الأخيرة والتي فاقت 80 غريقا، لتكشف النقاب عن أسباب لم تكن للطبيعة دخل فيها بل تشير بأصابع الاتهام إلى إهمال بعض الجهات في دورها الرقابي ، إلى جانب استغلال بعض الشركات لمواقع تلك الأودية لاستخدمها في عملية نهل للرمال ، مما أدى إلى حدوث فجوات كبيرة كانت السبب المباشر في حدوث تلك الكوارث الفواجع التي راح ضحيتها العديد من شبان المنطقة وزوارها من أماكن متفرقة.. وفيما يلي نص التحقيق.
أخطر الفاتنين
وادي لجب أحد الأودية المشهورة بفتنتها الساحرة في منطقة جازان والذي يقع تحديدا في محافظة الريث، حيث يمتاز هذا الوادي بمناظر ساحرة، وقد زادته جمالا تلك الشلالات الرائعة الجمال والتي تتوسطه فيما تحيط بها مناظر طبيعية تتشكل على العديد من المرتفعات الصخرية.
وبالرغم ما اكتسبه الوادي من شهرة جذبت الزوار من مناطق مختلفة على مستوى الملكة والخليج، إلا أن الوادي تحفه المخاطر كلما تعمق زائره في التوغل إلى أوساطه.
طبيعة ساحرة
يقول طلال ذيابي: «زرت الوادي مرات عديدة ، وفي كل مرة تجذبني إليه الطبيعة الساحرة التي تميزه عن معظم الأمكنة في المنطقة، وأنه وفي كل زيارة أجد زواره ليس فقط من أبناء المنطقة بل من جميع مناطق المملكة والخليج ، وبقدر ما يملكه المكان من طبيعة ساحرة ، إلا أن المخاطر تحيط به من كل جانب وللأسف هناك الكثير من المواقع بداخله بلا إرشادات تدل الزائر على مواقع الخطر ، مما يؤدي دائما إلى حدوث العشرات من حالات الغرق والتي يروح ضحيتها شباب في مقتبل العمر انتهت بهم مغامرتهم إلى فقدان أرواحهم الطاهرة بسبب إهمال الجهات المختصة في توفير تلك الإرشادات .
بينما يشير عبدالله الريثي أحد سكان الريث المحافظة المجاورة للوادي، إلى أن الوصول إلى الشلالات التي تتوسط الوادي، أمر يحتاج إلى مجهود كبير حتى يمكن الزائر تجاوز العديد من الصخور ذات الأحجام الكبيرة، مبينا أن أبناء الريث يستخدمون الطلقات النارية الحية في الهواء كإنذار للموجودين فيه عندما يكون هناك خطر في الوادي، كجريان السيول أو عند هطول الأمطار، وأصبح الموجودون يعرفون أن هذا بمثابة إنذار لهم حتى يغادروا الوادي لخطورته الكبيرة.
كارثة نهل الرمال
ويبين الريثي أن نهل الرمال أهم الأسباب المباشرة التي ساهمت في وقوع حوادث غرق في الأودية ، وأضاف:» الشركات هي من تقوم بذلك، حيث توجه يوميا عمالها للنهل من تربة الوادي لما تدره عليهم من مبالغ خيالية، عندما يبيعون تلك الرمال شركات المقاولات وشركات البناء لاستخدامها في البناء والتشطيب والردم في عمليات إنشاء الطرق وغيرها من المشاريع.
وأضح الريثي أن كل ذلك يأتي ذلك في ظل غياب الرقابة الجادة على الأراضي الواقعة على ضفاف الأودية التي تحولت بدورها لمناجم بالتوسع في عمليات حفر وتجريف التربة دون التقيد بتطبيق الشروط المنظمة لهذه العمليات.
وفي هذا الخصوص يبين عبده معشي، أن حفر الشركات في الأودية بعمق عدة أمتار داخل الأرض، يؤدي إلى تراكم مياه الأمطار والسيول داخل تلك الحفريات التي أحدثتها تلك الشركات ، مما يؤدي إلى غرق المتنزهين والعابرين بتلك المواقع، وأستطرد مشعي قائلا :» يتبادر لأذهان الزوار أن المياه ضحلة أسوة ببقية الموقع في الوادي ، غير مدركين أن المياه متجمعة في حفريات عميقة قد تصل إلى 10 أمتار داخل الأرض ـ وتابع قائلا : الفترة الأخيرة ظهرت حوادث غرق كثيرة راح ضحيتها أطفال وأسر بالكامل جراء الاعتداء على الوادي، فالاعتداء على رمال الوادي والنهل منه بطريقة عشوائية أدى إلى كثرة « الحفر « بأعماق كبيرة إلى جانب تتغير مسار سيول الأودية والتي قد تتسبب في دخول القرى المجاورة الوادي».
الزوار لا يكترثون
من جانبه، أوضح مدير فرع هيئة السياحة والآثار بمنطقة جازان رستم الكبيسي، بأن هناك عددا من المشاريع السياحية نفذها فرع الهيئة بالتعاون مع أمانة المنطقة لخدمة زوار وادي لجب كونه وجهة سياحية يقصدها الكثيرين ، وأضاف:» بالتأكيد ليست كافية لكن هناك مشاريع عديدة سيشهدها الوادي خلال الفترة المقبلة «.
وأوضح الكبيسي، أن الهيئة وضعت العديد من اللوحات الإرشادية للمواقع الخطرة ، إلا أنه مع للأسف هناك الكثير من الزوار لا يكترثون لها ويحاول بعضهم الدخول إلى المواقع والمنحدرات الخطرة بدافع المغامرة مما يؤدي إلى وقوع حوادث غرق .
توجيهات مشددة
من جهة أخرى ، أكدت إمارة المنطقة حرصا المستمر على تحذير الزوار من التوغل داخل الوادي والقيام بمثل تلك الأعمال الخطرة . وأوضح المتحدث الإعلامي لإمارة منطقة جازان علي زعلة ، في تصريح سابق بأن أمير منطقة جازان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر أصدر توجيهاته العاجلة والمشددة لمحافظي المحافظات ورؤساء المراكز والإدارات الحكومية ذات الاختصاص ، بضرورة تفعيل الجهود للتصدي لهذه التعديات على بطون الأودية ومجاري السيول ، حفاظا على الأرواح والممتلكات ، مشيرا إلى أن أمير المنطقة أمر بتشكيل لجنة رئيسة بديوان الإمارة تضم مندوبين عن الزراعة والدفاع المدني والأمانة وإمارة المنطقة ولجان فرعية مماثلة بهدف تكثيف الرقابة الميدانية على أودية المنطقة وتطبيق الأنظمة والتعليمات على المخالفين والتأكد من التزام المؤسسات المرخص لها بالضوابط والاشتراطات.
«المياه» تستشعر
بدورها استشعرت المديرية العامة للمياه بالمنطقة الخطر الذي يحيط بأجمل المطلات التي تتميز بها المنطقة في محافظة ابوعريش خاصة المطل المحاذي لسد وادي جازان، والذي يشكل لوحة جمالية فاتنة لمرتاديه ، مما دفعها مؤخرا إلى افتتاح مشروع «المطل»و الذي يشكل مقصدا لزاور الوادي إلا أنه تم إغلاق بوابات سد جازان مؤخرا، خوفا من وقوع كوارث بعدما اكتشفت حفريات في بطن الوادي جراء نهل الرمال.
وأكد المتحدث الإعلامي للمديرية بالمنطقة علاء خرد ، إغلاق بوابات سد وادي جازان بعد فتحها مؤخراً، وذلك بسبب انتشار حفريات عميقة تبتلع مياه السد.
وبين خرد، أن الحفريات التي يقوم بها بعض التجار والمقاولين ، تبتلع أكثر من 20 مليون متر مكعب من المياه وبالتالي تشكل خطراً حقيقياً على المتنزهين في بطون الأودية، الأمر الذي دفعنا لحجز المياه لمدة طويلة، مشيرا إلى أن المديرية ليست لها علاقة في نهل الرمال أو مخالفة المعتدين على تلك المواقع ، موضحا أنهم في مديرية المياه خاطبوا رسميا ومنذ وقتٍ طويل الجهات ذات العلاقة، لمتابعة المخالفين ممن ينهلون الرمل وإجبارهم على إعادة ردمها وتطبيق وسائل السلامة حولها.