تحقيق - سعود المهيدب:
تبرأ مكتب مكافحة التسول في الرياض من مسؤولية ضبط المتسولين الذين بدأت طلائعهم تتدفق على العديد من المواقع المهمة في العاصمة الرياض، خصوصا إشارات المرور والمساجد، لحجز أماكن لهم قبل حلول شهر رمضان الكريم الذي يعتبر موسم حصاد لا مثيل له لديهم، وقال على لسان مديره عمر العيد، بأن الجهات الأمنية هي المسؤولة عن القبض على المتسولين، مبينا بأن المهام والمسؤوليات المنوطة بمكتبهم وفق التعليمات المنظمة لمعالجة قضايا التسول، تكمن في أن استقبالهم للمتسولين السعوديين بعد القبض عليهم لمعالجة أوضاعهم.
ويتنوع «التسوّل» وطريقة ممارسته وأماكنه، في مدن المملكة المختلفة، حيث يتزاحم العديد من المتسولين عند إشارات المرور وداخل محطات الوقود وفي المجمعات التجارية، والمساجد أوغيرها من الأماكن العامة، حيث ينتظم المتسولون في مجموعات وأفراد يتخفون خلف شخصيات وأشكال مختلفة بملابس رثة وعاهات مختلفة، وآخرون يحملون أو يجرون خلفهم أطفالا صغارا، لتتحول هذه الممارسة إلى مهنة تدرمبلغاً من المال على هؤلاء المتسولين الذين هم من المواطنين والمقيمين والنازحين.. « الجزيرة» من خلال هذا التحقيق ترصد هذه الظاهرة بالصورة والقلم، والتي حاولت الوصول لأكبر عدد منهم، حيث سعت إليهم في أماكن تواجدهم، فرصدهم في عدد من إشارات المرور والمساجد، وتحدثت إلى معظهم بعدما اشترطوا عدم تصويرهم أوذكر أسمائهم .
المرض والحاجة
يقول أحد المتسولين السعوديين، والذي تحفظ لـ»الجزيرة» عن ذكر اسمه أن أسبابا عديدة دفعته لممارسة التسول في الإشارات ومحطات الوقود، منها حاجته الماسة للمال خصوصا وأنه يعول أسرة كبيرة معظمها من البنات والأطفال وأن ظروفه الصحية لا تمكنه من العمل.
أما المتسول الآخر سعودي الجنسية أيضا، ورفض كذلك أن يذكر لنا اسمه، يقول: إن معظم الوظائف التي طرق بابها وجد دخلها ضعيف نسبة لأنه أمي غير متعلم مبينا أن راتبها لا يمكنه من الإيفاء بحاجات أسرته الذين معظمهم من الأطفال، وأَضاف:» قبل الدخول في هذه المهنة (على حد وصفه) كان يعاني من تلبية متطلباتهم، وتابع قائلا:» أما اليوم فأنا أحصد أموالا كثيرة والرزق واجد وأوفر لأطفالي وبناتي كل ما يحتاجونه دون أن أتكبد مشقة وعناء العمل».
ضعف المساعدات
من جهتهم، أكد عدد من المواطين بأن هناك متسولين يمارسون هذه الفعلة القبيحة (على حد وصفهم) ليس بدافع الحاجة، وإنما أصبحت لديهم عادة بعدما جنوا من خلالها الكثير من المال وأصبحوا يصرفونها في الكماليات. ويقول علي الغامدي أن بعض المتسولين أغنى من رجال أعمال، ولكن للأسف تحولت لديهم هذه الممارسة إلى عادة قبيحة لا يستطيعون التخلي عنها.
فيما يرى مواطنون آخرون أن دافع الكثير من الناس البسطاء إلى التسول ربما يكون بسبب ضعف المساعدات المالية التي تقدمها الجمعيات الخيرية للمحتاجين.
غياب الرقابة
ويقول سعود العنزي: إن غياب الأجهزة المختلفة في مكافحة التسول قد زاد من أعداد المتسولين مما حولها إلى ظاهرة، حيث أصبحت الكثير من إشارات المرور ومحطات الوقود والمساجد مكتظة بهم.
وطالب أحمد المالكي الجهات المختصة ببذل المزيد من الجهد لتجفيف أماكن تواجد هؤلاء المتسولين، مشيرا إلى أن أعدادهم بدأت في التزايد في الفترة الأخيرة مما يتطلب تدخل الجهات المختصة، وأَضاف :» أصبح منظر هؤلاء يشوه منظر مدن المملكة المختلفة خصوصا الرياض وجدة»
ودعا المالكي الجهات الخيرية ببذل المزيد من الجهد للوصول لأكبر قدر من هؤلاء المحتاجين لسد باب التسول.
أما مشبب العسيري، فيقول: إن هؤلاء أصبحوا يستخدمون أساليب مختلفة للحصول على أكبر قدر من المال من خلال كسب تعاطف أكبر عدد من الناس، ومن ذلك الاستعانة بالنساء والأطفال الصغار، مبينا أن بعضهم يقوم باستئجار الأطفال الرضع وآخرون يضعون «الإكسسوارات» اللازمة للتسول، كالملابس الرثة ومنهم من يتفنن بعمل عاهة موقتة له أو لطفله لكسب المزيد من تعاطف الناس.
دراسة الحالة
يدوره أوضح عمر العيد مدير مكتب مكافحة التسول في الرياض بأن المهام والمسؤوليات المنوطة بمكتبهم وفق التعليمات المنظمة لمعالجة قضايا التسول تكمن في أن يتولى استقبال المتسولين السعوديين بعد القبض عليهم لمعالجة أوضاعهم، أما صلاحية القبض على المتسولين فهي منوطة بالجهات الأمنية.
وأكد العيد أن مكتب مكافحة التسول مكمل لدور الجهات الأمنية حيث يتم استلام المتسول السعودي المقبوض عليه من اللجنة الأمنية التابعة لشرطة منطقة الرياض، باستضافته في المكتب والبدء في دراسة حالته الاجتماعية للتأكد من حاجته للمساعدة ومن ثم تقديم كافة المساعدات لاحتياجاته الضرورية واللازمة ، والتي تضمن عدم عودته للتسول مرة أخرى.
سجن المحتالين
وقال العيد: إن المقبوض عليه لأول مرة يؤخذ عليه تعهد ويخرج بكفالة، أما ذوو العاهات والعجزة فيحالون مباشرة لدور الرعاية الاجتماعية، فيما يؤخذ على القادرين على العمل التعهد بعدم العودة لممارسة هذا الفعل، حيث يحالون لمكتب العمل لإيجاد عمل لهم، أما الأحداث الأيتام ممن تنطبق عليهم لوائح دور التربية فيحالون إليها، أما الأطفال الذين لديهم أسر يسلمون لذويهم ويؤخذ تعهد على ذويهم بعدم ممارسة ذلك، أما بالنسبة للمحتالين الذين يدعون إصابتهم بأمراض لاستعطاف الناس فيتم سجنهم مدة لا تقل عن أسبوعين، ومن يثبت حاجته للمساعدة فيحال للضمان الاجتماعي. ويرى العيد أن دور المكتب يتمحور في الجانب الاجتماعي للمتسول السعودي فقط بعد استلامه من الجهات الأمنية، ولكن نذكر بعض المشاكل مثل: كثرة المتسولين وتعاطف كُل من المواطنين والمقيمين معهم، وتكرار التسول لعدم وجود العقوبات الرادعة.
المتسول الأجنبي
وفيما يتعلق بالعقوبة التي تفرضها المكافحة ضد المتسولين، بين العيد انه في حالة تكرار المتسول السعودي واستيفاء جميع الخدمات الاجتماعية له، يتم إحالة معاملته لمركز الشرطة لعرضها على هيئة التحقيق والادعاء العام لإصدار العقوبة المناسبة له حسب التعليمات، وأما المتسول الأجنبي فهو من اختصاص الجهات الأمنية. وشدد العيد على عدم التعاطف معهم ودفع ما تجود به النفس إلى الجهات المتخصصة مثل: الجمعيات الخيرية لتقوم بدورها بإيصالها إلى مستحقيها. ونصح العيد المواطنين والمقيمين بعدم دعم التسول المتسولين، وأضاف:» نعم لمساعدة المحتاجين عبر الجمعيات الخيرية، وأنه ليس كل متسول محتاجا».
السعوديون والأجانب
من جهة أخرى أوضحت إحصاءات مكتب مكافحة التسول أن عدد المتسولين السعوديين الذين تم القبض عليهم في مدينة الرياض فقط، بلغ (بنهاية العام 1436 الماضي) 890 شخصا، وبين مدير مكتب مكافحة التسول في الرياض أن نسبة المتسولين السعوديين بمدينة الرياض قليلة مقارنةً بالمتسولين الأجانب،