هونج كونج - الجزيرة:
تحظى قضية النزاع على جزر بحر جنوب الصين بالاهتمام في مختلف بقاع العالم في الوقت الراهن. ويتزايد هذا الاهتمام مع اقتراب موعد بت المحكمة الدولية بشأن الجزر المتنازع عليها بين الصين والفلبين، والمقرر أن يصدر الحكم بشأنها نهاية مايو الجاري.
وزير الخارجية الصيني أكد في أكثر مناسبة بأن تلك الجزر تخضع للسيادة الصينية. والصين بالطبع لديها الحق في الدفاع السلمي المشروع عما تراه خاضعا لملكيتها.
والواقع أن النزاع على تلك الجزر لا يمس فقط أطراف النزاع أو الدول الموجودة في الإقليم, بل يمكن القول إن تداعياته وتبعاته قد تمتد إلى مناطق مختلفة في العالم, بما فيها منطقة الشرق الأوسط وعلى نحو أخص دول مجلس التعاون.
ويصبح ذلك واضحاً حين يتبين أن أحد المحركات الرئيسية وراء هذا النزاع يرتبط ارتباطا وثيقا بقضايا أمن الطاقة. ولعل هذا من بين الأسباب التي تدفع الإدارة الأمريكية للاهتمام عن كثب بما يجري من تطورات في بحر جنوب الصين.
الصين من جانبها وعدت بالالتزام بحرية الملاحة والتحليق في تلك المنطقة, إلا أن سيطرة الصين على تلك الجزر وتزايد نفوذها على الممرات المائية هناك يثير تخوف عدة حلفاء للولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان فيما يتعلق بتداعيات ذلك على أمن الطاقة بالنسبة لهم.
في عام 2013 ذكرت هيئة معلومات الطاقة الأمريكية أن بحر جنوب الصين هو أحد أهم ممرات نقل الطاقة في العالم, حيث يمر فيه سنويا ما يقدر بثلث الاستهلاك العالمي من النفط و ما يزيد على نصف الاستهلاك العالمي من الغاز الطبيعي المسال. ويكتسب هذا الممر أهمية متزايدة, خاصة وأن صادرات الشرق الأوسط إلى آسيا سجلت ارتفاعا بنسبة 7 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي بحسب بيانات تومسون رويترز.
والأمر يمثل أهمية خاصة بالنسبة لليابان نظرا لعدم امتلاكها لمصادر الطاقة الطبيعية ولأن معظم مفاعلاتها النووية تقريبا متوقفة عن العمل بعد الكوارث النووية التي لحقتها عام 2011 وفقا لتقارير هيئة الطاقة الأمريكية، فإن اليابان صارت الأن أكبر مستورد للغاز المسال في العالم, وهي ثاني أكبر مستورد للفحم وثالث أكبر مستورد للنفط والمنتجات النفطية, وكل تلك الموارد تصلها عن طريق البحر.
إبان وقوع كارثة فوكوشيما النووية كانت اليابان تتحصل على 27 في المائة من احتياجاتها من خلال الطاقة النووية, ثم وجدت نفسها مضطرة لاستبدال تلك النسبة بواردات النفط.
في عام 2014 كان نحو 84% من واردات اليابان النفطية تأتي من الشرق الأوسط, في حين كانت النسبة تقتصر على 70% منتصف الثمانينات. كل تلك الشحنات تعبر خلال بحر جنوب الصين.
فيما يتعلق بالغاز المسال تشير مؤشرات عام 2013 إلى أن هناك 8 مصادر لليابان هي أستراليا, بروناي, اندونسيا, ماليزيا, نيجيريا, عمان, قطر والإمارات العربية المتحدة. وإمدادات الغاز تصلها أيضاً عن طريق البحر ذاته.
والحال لا يختلف كثيرا بالنسبة لكوريا الجنوبية, فهي تستورد 97 في المائة من وارداتها النفطية من الشرق الأوسط. وهي خامس أكبر مستورد للنفط و أكبر مستورد للغاز.
في عام 2014 كانت الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا هما المصدر الأساسي لنحو 88 في المائة من واردات الغاز لكوريا وفقا للإحصائيات الصادرة عن شركة بريتيش بتروليوم 2015.
في تايوان بلغت الواردات من الطاقة حوالي 98 في المائة وفقا للحكومة التايوانية في سبتمبر الماضي، 83 في المائة منها تأتي من دول الخليج.
كما تعتبر تايون خامس أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، في عام 2014 استوردت نحو 82 في المائة من احتياجاتها من ثلاثة مصادر، اندونيسيا، ماليزيا وقطر.
تايوان نفسها هي واحدة من الأطراف المتنازعة على جزر بحر جنوب الصين، وهي أيضا تولي عناية كبيرة لقضية حرية الملاحة في الممرات البحرية هناك, شأنها في ذلك شأن اليابان وكوريا الجنوبية.
النزاع الجاري حاليا في بحر جنوب الصين إذن ليس منصبا على مجرد ملكية عدد من الجزر الصغيرة وبعض الشعاب المرجانية المتناثرة هناك, بل هو في حقيقته يتعلق بقضايا أوسع نطاقا تمس أمن الطاقة في الإقليم وترتبط على نحو وثيق بتوازنات القوى وتعزيز النفوذ في تلك المنطقة وفي العالم.