في كتب أهل العلم الذين أناروا للناس الدرب ومهدوا لهم السبيل، نفر من الخوارج هم أخبث وأضل سبيلا من الخوارج الذين يحملون السلاح على الولاة ويخرجون عليهم بالفعل، إنهم الخوارج القَعَدِيَّة أو قَعَدُ الخوارج، قال ابن حجر (رحمه الله): والقعدية الذين يزينون الخروج على الأئمة ولا يباشرون ذلك، وقال غيره: القعديّة: فرقة من الخوارج، يأمرون بالخروج ولا يخرجون.
فهناك خطيب لا يخرج على ولي الأمر بنفسه، ولكنه يزين للشباب الخروج ويحرضهم عليه، وهناك شاعر وربما كان مجيداً مُفْلِقاً مكثراً يلهب بكلامه الموزون المقفى، وهناك فقيه، وهناك مربٍ وداعية وواعظ ومحفظ، وهناك كاتب استعمل الحلاوة والطلاوة التي جعلها الله على كلامه في تأجيج نار الفتنة، وإيقاظها، والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها. فدعاة الفتنة والخروج -لا كثرهم الله- يحسنون لغيرهم الخروج على المسلمين ولا يباشرون القتال.
والقعدية أخطر من الخوارج أنفسهم؛ إذ إن الكلام وشحن القلوب وإثارة العامة على ولاة الأمر له أبلغ الأثر في النفوس وخاصة إذا خرج من رجل بليغ متكلم يخدع الناس بلسانه وتلبسه بالسّنة. والخروج بالكلمة أشد من الخروج بالسلاح؛ لأن الخروج بالسلاح والعنف لا يُرَبِّيه إلا الكلمة.
قال أهل العلم: قعد الخوارج هم أخبث الخوارج، والحق أن دعاة الخروج على ولي الأمر وشق عصا الطاعة ورم خبيث في الأمة وداء عضال منذ القدم، فهذا عمران بن حطان تابعي مشهور، روى عن أم المؤمنين عائشة، وأدرك عدداً من الصحابة الكرام، وكان من أهل السنة المتمسكين بها، ولكن حَرَفَتْه امرأة كانت ترى رأي الخوارج، وكان قد تزوجها ليردها فأردته وذهبت به إلى رأيها الرديء، وقيل: قدم غلام من أهل عمان مثل البغل، فقلبه في مقعد (أي: في جلسة واحدة). فصار أمر عمران بن حطان عبرة ومثلاً.
فالنصيحة يا طالب النجاة أن تحذف دعاة الفتنة دعاة الخروج على حكام المسلمين، أولئك الذين لا يلتزمون بنهج السلف الأنور في معاملة الحكام. النصيحة أن تحذفهم من حياتك. وعلماء أهل السنة والجماعة موجودون إن طلبتهم صادقاً وجدتهم، والحمد لله رب العالمين.