«الجزيرة» - المحليات:
أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أن الأمم ليست اقتصاداً أو تنمية فقط، بل هي تاريخ وحضارة، والمواطن يجب أن يعيش وطنه من خلال ارتباطه بتاريخ وتراث وطنه.
وحذَّر سموه من خطورة تفريغ المواطن الخليجي من انتمائه لعقيدته وقيمه وارتباطه بتاريخه وحضاراته وأرضه، مبينا أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله دائما ما يؤكد بأننا «عرب ومسلمون» وعزتنا ترتبط بمقدار انتمائنا لتاريخنا وهويتنا.
وأكد سموه في كلمته امس الأحد في «ملتقى تنمية المهارات القيادية للطلبة في الدول الأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج» على أن المواطنة مفهوم أهم وسابق للوطنية وبدون تعزيز هذه الروح في نفوس الأفراد لن نصل إلى ارتباط المواطنين ببلادهم، والتعرف على مناطق المملكة وتاريخها قضية أعمق من مجرد السياحة أو الاقتصاد على الرغم من أهميتها الكبيرة ولها أبعادها الوطنية والأمنية.
لافتا إلى أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله اهتم بالتاريخ ليس كمؤرخ بل كمواطن ومهتم، وهو يرى بأنه لا يمكن للمواطن أن ينتمي لوطنه دون أن يعرف تاريخه وقيمه وإسهامات مواطنيه وقصص الأماكن ويستمتع به، وقد أكد يحفظه الله في اجتماع مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز قبل حوالي شهرين على أهمية ربط المواطنين وخاصة الشباب بتراثهم وتاريخهم، وأهمية تهيئة هذه المواقع للزيارة.
وأشار سموه في اللقاء الذي حضره معالي الدكتور علي بن عبدالخالق القرني المدير العام لمكتب التربية العربي لدول الخليج، وأداره الإعلامي الإماراتي د. خليفة السويدي، إلى أن التواصل مع المواطنين والالتقاء والاختلاط بهم هو نهج اختطه الملك المؤسس وتبعه فيه أبناؤه، وقال: «أنا حريص كل الحرص على ألا يمر يوم إلا وألتقي فيه بالمواطنين من جميع الأجيال وفي كل المناطق وهو التزام تعلمته من سيدي والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله الذي غرس فينا التواصل مع المواطنين والاستماع لهم، ولا يمكن للمسئول أن يبقى بمعزل أو على اتصال بدائرة صغيرة، وهذا ما تعلمناه من سيدي الملك سلمان وتمثله قادة هذه البلاد منذ القدم، ونلتزم به ونعمل وفقا له كل يوم».
ونوه سموه في حديثه للمشاركين في الملتقى من طلبة وطالبات دول مجلس التعاون، إلى أن التحولات الاقتصادية ومواكبة مستجدات العصر والتعامل مع تحدياته وتذليل الصعاب هو قدر هذه البلاد والجزيرة العربية منذ الأزل وتأكد ذلك في وقت الدولة السعودية الحديثة التي مرت بمراحل ملحمية وتطويرية.
وأكد على أن الانفراد بالقيادة لم تكن يوما مناسبة لطبيعة هذه المنطقة ولم تكن يوما من مبادئ هذه الدولة والملك المؤسس عبد العزيز طيب الله ثراه قال إنه قوي بالله ثم بشعبه، ولم ينقل عنه يوما أنه قال بأنه وحد هذه البلاد منفردا بل دائما ما يؤكد أن كل مواطن ساهم في تأسيس وتوحيد هذه البلاد.
وأضاف: «الملك عبدالعزيز كان يتجول ويقابل المواطنين ويسمع منهم، وهناك موضوع منشور في صحيفة أم القرى عن أول دعوة للحوار وجهها الملك عبدالعزيز مع أطياف المجتمع وشارك رحمه الله في هذا اللقاء الذي امتد لثلاثة أيام يستمع من المواطنين ويناقشهم وهذا هو النهج الذي سارت عليه هذه الدولة، والملك سلمان اليوم هو خير من يحمل هذا اللواء، إذ عرف عبر مسيرته القيادية بانفتاحه على المواطنين ومقابلتهم منذ أن تولى إمارة الرياض حتى يومنا هذا، وهو ما جعله نموذجا للقائد المنفتح على مواطنيه المستمد لقوته بالله ثم بهم».
واعتبر سموه أن من أبرز ما تميزت به دول الخليج اهتمامها بالمواطن وإشراكه في التطوير والتغيير، مضيفا: «أنا مؤمن بالعمل والتغيير من الأعلى إلى الأسفل أي من المواطن الذي هو الأعلى إلى المسئول».
وأضاف: «نحن الآن نمر في هذه المنطقة بفترة تاريخية بكل أبعادها، فترة ننتقل فيها من حال إلى حال ونحاط فيها بتحديات كبيرة جدا أمنية وسياسية واقتصادية، ولكني دائما أقول إننا سكان الجزيرة العربية لدينا قدرة وراثية وجينية في مواجهة هذه التحديات بجمع الشمل وتلاحم القادة والمواطنين والتمسك بالدين الإسلامي والقيم العربية الأصيلة».
وتابع سموه: «نحن اليوم نقف شامخين على أرض شامخة، ويجب أن نكون مستلهمين تاريخ هذه الأرض والملحمة التي قامت عليها الحمد لله وحدتنا الوطنية ووحدة دولنا، وتقدير تضحيات أجدادنا لتوحيد ونهوض واستقرار هذه الأمة».
مؤكدا سموه أن السبب الرئيس لاستقرار هذه الدول تمسكها بدينها، ومحافظتها على قيمها، وقال إنه يعتز ويحرص دائما على مشورة علماء الدين والمشايخ، مؤكدا على أن هذا النهج تلتزم به مؤسسات الدولة، فنحن في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لا نقوم بأي عمل إلا بالتشاور مع أصحاب الفضيلة المشايخ والتأكد من اتفاق ما نقدم عليه مع المبادئ الحقة لديننا الإسلامي.
وتطرق رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني إلى جانب من جهود الهيئة في ربط المواطنين وخاصة النشء بتراث وتاريخ بلادهم، من خلال عدد من البرامج والمشاريع ومنها برنامج عيش السعودية الذي تنفذه الهيئة بالشراكة مع وزارة التعليم وعدد من الجهات الحكومية والشركات الوطنية، ويستهدف أكثر من مليون طالب وطالبة من خلال تنظيم رحلات لهم للمواقع التاريخية والسياحية والحضارية، إضافة إلى قيام الهيئة منذ أكثر من سبع سنوات بالعمل على الإعداد لمشاريع متاحف كبرى للتاريخ الوطني والإسلامي ومنها متحف التاريخ الإسلامي بقصر خزام في جدة، ومتحف مكة المكرمة، وواحة القرآن الكريم في المدينة المنورة، ومتحف المعارك الإسلامية في محافظة بدر، إضافة إلى توسعة المتحف الوطني وتطويره بشكل جذري، وتطوير العروض المتحفية في المصمك وقصر المربع بالرياض، إضافة إلى 11 متحفا إقليميا أتمت الهيئة بناءها وعدد من القصور التاريخية التي اقترحت الهيئة ترميمها وتحويلها إلى متاحف ومراكز تراثية، وهذه المشاريع جميعها موجودة لدى الدولة وبانتظار الاعتمادات المالية بعد أن انطبع بعضها في رؤية المملكة 2030 إثر جهود الهيئة في رفع الوعي بأهمية هذا الموضوع وجهوزية تلك المشاريع، كما تناول سموه برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري الذي أقره الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، وأعاد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله إقراره لأهميته حيث يتضمن العديد من المسارات والبرامج والمشاريع المتعلقة بالتراث الوطني.
واستعرض سموه للطلبة الحضور تجارب وآراء سموه في موضوعات القيادة والتعليم والتربية، مؤكدا سموه في إحدى إجاباته أنه حريص على تحويل كل من يعمل معه إلى قائد «وإذا لم يتحول كل من تعمل معه إلى قائد فلن تحقق منجزا ولا مكان للقائد الأوحد»، كما أشار في إجابة أخرى إلى أن الطموح مهم، ولكن الطموح الشخصي المفرغ من تقديم المصالح العامة لا يمكن أن ينجح».
وأبرز سموه في إجابة على سؤال لإحدى الطالبات الدور الرئيس والمهم للمرأة في قيام المملكة وتوحدها، وما تعيشه من نهضة واستقرار.
وكان اللقاء قد بدأ بكلمة ترحيبية من معالي الدكتور علي بن عبدالخالق القرني المدير العام لمكتب التربية العربي لدول الخليج، وجه فيها شكره وتقديره للأمير سلطان بن سلمان على تلبية دعوة الملتقى، والتحدث لجمع مميز من الطلبة والطالبات الخليجيين عن تجربة سموه المميزة والمنوعة والثرية، وليجيب على تساؤلاتهم حول قضايا تهمهم وتكون لهم نبراساً في طرقهم نحو التفوق والإبداع.
يذكر بأن الملتقى الخليجي الأول لتنمية المهارات القيادية للطلبة الذي بدأ يوم أمس السبت في المقر الرئيسي لمكتب التربية العربي لدول الخليج بالرياض يهدف إلى تنمية المهارات القيادية لدى طلاب وطالبات التعليم العام بالدول الأعضاء.
ويستهدف الملتقى تنمية متطلبات الريادة المجتمعية لدى الشباب والشابات في الخليج، وتعزيز الخصال القيادية في نفوسهم وفتح قنوات الحوار بينهم حول قضاياهم واهتماماتهم، وقد شارك في الملتقى ما بين 30 - 40 شابا وشابة، أُتيحت لهم فرصة للالتقاء بشخصيات بارزة، للتحدث إليهم عن خبراتهم وتجاربهم، وعن أهم المهارات والسمات التي يمكن أن توصل الشباب إلى النجاح، وتحقيق الإنجازات لأنفسهم وأوطانهم.
وبدأت فعاليات الملتقى بورشة عمل حضر افتتاحها معالي مدير عام مكتب التربية العربي لدول الخليج العربية الدكتور علي بن عبدالخالق القرني، وتم العرض في الورشة أهم المبادئ التوجيهية والإرشادات الفنية، والمؤشرات الأساسية لقادة المستقبل من ابناء الخليج المشاركين في الملتقى، كما تم التعرض لعدد من الموضوعات التربوية والنفسية التي تؤثر في تكوين سمات الشخصية القيادية، وتنمية المهارات القيادية لدى الشباب.