الجزيرة - عبدالعزيز بن سعود المتعب:
خيَّم الحزن على كل محبي الشعر الشعبي الرصين، ناهيك عن الشعراء المعروفين الذين تربطهم رابطة الأدب، وهي من أقوى الروابط، إثر وفاة الشاعر الكبير سعد بن جدلان - رحمه الله - ولكنها إرادة الله سبحانه وتعالى القائل في محكم تنزيله إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعونَ .
وكان التفاعل الكبير مع الحدث المؤلم بحجم شاعرية الراحل وقبوله عند الناس سواء على صعيد شاعريته الفذة أو نقاء سريرته وتواضعه الجم والاحترام المتبادل مع الجميع طيلة حياته، ولا نزكي على الله أحداً.
الشاعر طلال بن حمزة الشريف قال لـ»مدارات شعبية»: لا أعرف شاعراً شعبياً في العصر الحديث حظي بهذه الشعبية التي كانت لسعد بن جدلان، ولا أعرف شاعراً انطبقت على قصائده مقولة «سارت بها الركبان» كقصائد بن جدلان، كان سعد يكتب بعفوية مفرطة وبساطة يندر أن يكتب بها شاعر، وكان الرواة يتلقفون قصائده بشغف بالغ أكثر من ثلاثين عاماً من الشعر الجزل والكلام البديع دخل بها سعد بن جدلان قلوب سكان جزيرة العرب من أقصاها إلى أقصاها، واستطاعت قصائده أن تصالح بين ذائقة رجل الشارع وأستاذ الجامعة، وهذا قلما يحدث في الشعر. أكثر من ثلاثين عاماً تنقّل بها سعد بن جدلان بين جميع أغراض الشعر، فلامس هموم الناس واقترب من أوجاعهم، أجاد في الوصف فترك لنا صوراً مذهلة على غرار هذه الصورة في وصف موتره (بنت شيخٍ طامحة من ولد راعي) تنقّل بين النصح والمدح فترك لنا قصائد نقشت في ذاكرة الناس وقلوبها نقشاً دعا وابتهل واستغفر فلامس بجبهته سجاجيد الصلاة وبقلبه أبواب السماء.
وأخيراً رحل بن جدلان وبقيت قصائده للناس والتاريخ. رحم الله سعد بن جدلان رحمة واسعة وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
أما الشاعر عبد الله بن متعب السميح فقال: رحم الله الشاعر سعد بن جدلان وعفا عنّا وعنه وأسكنه فسيح جناته، لا أتذكر من قال: إنه عندما يموت شاعر تضيق الأرض، وتتجهّم الإنسانية. ابن جدلان ببساطته البدوية وتكوينه الإنساني وموهبته الفذة مثَّل ظاهرة متفردة في الشعر الشعبي، بعد جيل الثمانينات الذي فتح باب التجديد وعصرنة القصيدة النبطية بعيداً عن اللغة المكرورة والجامدة على سفح جبل أو فوق (مرقبٍ) تتعاقبه الريح، وكانت تلك اللغة الشعرية مقبولة في العصر القديم بحكم البيئة ومعايشة الرموز الصحراوية من انعطافة كثيبٍ إلى منحنى وادي بعد جيل الثمانينات الذين تفرقت بهم السبل وتكاليف الحياة وأقصتهم شللية الساحة الشعبية، في هذه الفترة جاء ابن جدلان وشاعر آخر إذا لم تخني الذاكرة اسمه ابن عباد السلولي، وهذا الأخير زاهد في الشهرة ومثَّل مع ابن جدلان ظاهرة حقيقية بالدراسة والنقد، وكما سبق وأن قلت إن مشكلة القصيدة النبطية أنها ولدت بلا ناقد لاعتمادها الرواية الشفاهية والنقد الانطباعي، لذلك أقول إن ابن جدلان يستحق من ينبري لدراسة شعره كظاهرة إنسانية. أخيراً أقدر لكم وفاءكم في صحيفة الجزيرة لهذه القامة الشامخة.
وقال الشاعر طلال بن صالح العتيبي: رحيل الشاعر المتفرد سعد بن جدلان يعني أن الساحة الشعبية فقدت واحداً من أميز رموزها وأكثرهم حضوراً مختلفاً، وأن المشهد الشعري بات أحد أدواره شاغراً سعد بن جدلان ليس شاعراً يكتب الشعر كغيره بل إن الشعر هو الذي يكتبه بصدق ومعاناة وحضور فطري صاخب وعبقرية فذة نعزي أنفسنا وذويه وساحتنا الثقافية على امتداد الإبداع بهذا الرحيل المر. رحم الله هذا الرجل الأصيل المبدع وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وأحسن خاتمتنا وإياه.
وقال الشاعر أحمد الناصر الأحمد: كان سعد بن جدلان - رحمه الله - شاعراً مختلفاً عن مجايليه بل وعن الكثير ممن سبقوه.. ليست الجزالة والتفرد والإبهار هي سمات قصائد بن جدلان فقط بل ثمة روح خاصة وسحر مختلف وفكر متقد تتوشح به معظم قصائد سعد.. الفقيد الغالي ممتع ومقنع.. مشرق ومغدق.. متفرد في أسلوبه الشعري وطرحه الفني وجل قصائده بعمقها وجزالتها وحكمتها راسخة في ذاكرة السنين خالدة في سفر الشعر الحق.. رحم الله سعد بن جدلان وغفر له وجبر مصاب ذويه ومحبيه وعشاق شعره وما أكثرهم.
وقال الشاعر حسين بن فهد القحطاني: سعد بن جدلان من أعظم شعراء الوطن العربي ومن الأشياء التي تميزه أنه صاحب قصائد إيمانية مذهلة ويذكرنا في الشاعر أحمد شوقي في بعض قصائده الإيمانية - رحمه الله رحمة واسعة.
وقال الشاعر جزاء البقمي: أحسن الله عزاء الوطن عامة وقبيلة أكلب خاصة، وأحسن الله عزاء الشعر والشعراء وجماهير الشعر في وفاة الشاعر سعد بن جدلان الأكلبي.. الشاعر الرمز ومن أهم رواد الساحة الشعبية على مر عقود ومدرسة شعرية مستقلة لوحدها في الجزالة.. نسأل الله أن يتقبله ويتجاوز عنه ويلهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
وقال الشاعر محمد المتروك: تتقزم عبارات التأبين الصادقة تجاه شاعر وصل لذائقة الجميع حتى تفرد في شعبية كبيرية في الكم والكيف لم يبلغها لولا أن في مضامين قصيدته ما يفرض له كل هذا الحضور والمنصف عند الجميع - رحمه الله.
فيما قال الشاعر نايف المطيري: أسدل الستار وغاب بدر الأقمار ونكست إحدى رايات الشعر في الجزيرة العربية، هي قدرة الله التي لا اعتراض عليها ولكن المصاب جلل والفقيد كبير والشعر خسر كبيره ومروض مفرداته، الشعراء غمرهم الحزن والساحة الأدبية لبست ثوب الحداد على فقد عملاقها، لم لا والفقيد هو توأم الإبداع.
وصاحب كلمة الإبداع وهو من جعل للقصيدة جمهوراً وللإمتاع حضوراً، لم لا والفقيد شاعر البسطاء وجليس الكرماء وخوي العظماء، لم لا وهو من اتفق عليه وعلى شاعريته المثقفون والأميون، لم لا والفقيد هو موحد الألحان وممنهج الأوزان، لم لا يحزن الشعر والفقيد هو سعد بن جدلان ذلك البدوي البديع صاحب الخلق الرفيع، غادر هذا البدوي المتلبس بالإبداع وملكة الشعر وهو لم يغضب أحد قط ولم يغضب من أحد قط، بل هو من جعل الجميع يتفقون عليه وعلى شاعريته، هو من جعل من الشعر متنفساً وجعل من القصيدة حكمة، غادر بن جدلان وخلّف خلفه إرثاً كبيراً من الشعر والأدب ومحبة الناس، رحم الله سعد بن جدلان وأحسن الله عزاء الشعر والساحة الأدبية.
ولأن الوفاء ديدن الأوفياء في كل زمان ومكان فقد اكتظت وسائل التواصل الاجتماعي بمشاعر الفقد المؤثرة شعراً ونثراً تجاه الفقيد - رحمه الله - من ذلك قصيدة للشاعر مساعد الرشيدي مطلعها:
يا عزتي لك يا سمان الهجر
من عقب ابن جدلان يا جوعك
وكذلك قصيدة للشاعر علي بن نايف الغامدي منها:
تباكا عيون الطيب والشعر في فرقاك
وفقلوبنا مامات قدرك ولا طاريك
هنا طاحت دموع المحبة وودعناك
عسا الله يغفر لك ويحسن عزانا فيك
كما توالت عبارات التأبين المؤثرة، منها قول الشاعر رائد العقيلي:
الاستثنائي الذي أضاف وجدد وأبدع ووضع بصمة لا مثيل لها في موروثنا الثقافي والشعري، اليوم نعزي الشعر ونعزي أنفسنا.
كذلك قال الشاعر نايف صقر:
نادراً ما تنجب الجزيرة العربية شاعراً فذاً متفرّداً بقامة سعد بن جدلان، أسعد محبي الشعر بإبداعاته طوال حياته، اللهم ارحمه واغفر له وأحسن عزاء ذويه.
كذلك كتب الشاعر محمد العريعر:
البدوي الذي حمل الصحراء في ترحاله ونقلها إلى المدينة، السعد الذي رسم قصيدته بذاكرة النوارس وطيور البراري، واختتمها بقوله: تعازينا للشعر ومحبيه ومنابر خيمته الحزينة. كما كتب الشاعر فهد عافت عبارة تداولتها الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي نصها: (سعد بن جدلان شاعر إن لم يُخلّده التاريخ فالعيب في التاريخ).