ميسرة بكور
أسدل الستار على فصل جديد من دراما حتمية الحل السياسي لمأساة العصر السورية على مسرح جنيف ثلاثة.
الشيء الوحيد الذي لا يختلف عليه اثنان أن المفاوضات استمرت حسب الجدول الزمني المحدد لها من قبل مندوب الأمين العام للأمم المتحدة السيد دي مستورا الذي قدم في نهاية العرض ورقة أطلق عليها مصطلح «وثيقة المبادئ « أووثيقة دي مستورا لتنضم بدورها إلى جملة الوثائق والقرارات الأممية وشقيقاتها من جنيف واحد إلى بيان ميونغ و(...).
المتابع لسلوك وفد نظام الأسد خلال فترة المفاوضات، أو المباحثات كما يحلو لبشار الجعفري تسميتها، كان المماطلة والتطرق لأمور هامشية والبحث عن مهاترات جانبية تصرف النظر عن الأساس الذي تم عقد جنيف لأجله وهو عملية الانتقال السياسي في سوريا حسب وثيقة جنيف واحد المدرجة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم «2118» الذي اعتبر بيان جنيف أساس أي حل مرتقب في سوريا.
لم تكن محاولات الجعفري وفريقه الممثل لنظام بشار الأسد في تمييع المفاوضات واستهلاك الوقت ومن ثم طلب تأجيل موعد الجولة القادمة بسبب تزامنها مع انتخابات مجلس الشعب المزعومة التي ضرب لها موعد الثامن من نيسان أبريل القادم، لم تكن عبثاً بل كان وراء الأكمة ما وراءها، حيث كان نظام الأسد بواجهته ا»لجعفرية «يرنو ببصره إلى ورقة ضغط يمكن أن يستخدمها في المفاوضات لتعزيز موقفه الحرج خاصة بعد إعلان الحليف الروسي سحب جزء من طائراته العاملة في سوريا الأمر الذي انخدع به الكثيرون باستثناء البريطانيين الذين قالوا بكل وضوح علينا الانتظار والمراقبة.
في هذا الوقت حاولت إدارة الرئيس الروسي «بوتين» أن ترسل رسائلها للمجتمع الدولي وخاصة الأوربي أنها في صدد تغيير سلوكها السياسي والعسكري في سوريا وأعلن بعض المسؤولين فيها أنهم غير متمسكين بشخص بشار الأسد.
مدفوعين بضغط حلف الناتو الذي قرر تضييق الخناق على الروس من خلال تواجد عسكري أكبر في دول الحلف التي تهدد روسيا مباشرة، مع فقدان الروس في نفس المقام رهانهم على امتحان الصبر الأوربي بموضوع تدفق أعداد إضافية من اللاجئين الأمر الذي هدد منظومة الاتحاد الأوروبي برمتها واتفاقية شنغن الأمر الذي دفع بالأوروبيين للاتفاق مع تركيا خصم بوتين الواضح وقدم لها كل ما تريد من خلال اتفاق بروكسل، فتحولت ورقة اللاجئين التي كان يلعبها بوتين ضد تركيا والاتحاد الأوروبي، إلى كرت رابح للأتراك استخدموها بذكاء وحققوا مكاسب لم يكونوا يتوقعونها فخدمهم بذلك من حيث أراد أن يصيبهم في مقتل.
ذاب الثلج وبان المرج، حيث أصبح واضحاً للعيان اليوم حقيقة المخطط الروسي، وكشف النقاب عن الورقة التي كان يبحث عنها نظام الأسد من أجل استخدامها في مفاوضات جنيف وبات معلوما سبب مماطلة الجعفري في جنيف ثلاثة.
المخطط الروسي يمكن أن نلخصه بنقطتين رئيسيتين.
تثبيت الهدنة، وتحويلها لوقف إطلاق ناركامل, بقرار مجلس الأمن تحت تهديد فصائل المعارضة بالعقاب في حال خرقها.
لكن دون آلية مراقبة مما أبقى المجال مفتوحاً لروسيا وعصابة الأسد أن تستمر بإنهاك الهدنة كما تشاء روسيا التي وافقت على القرار 2254 بحجة ضرب الإرهابيين لكنهم بهذه الحجة يستهدفون المدنيين والفصائل التي صنفوها معتدلة خاصة الجيش الحر ووثقت هيئات حقوق الإنسان المحايدة 896 خرق خلال 28 يوم هدنة.
النقطة الثانية، معركة إعلامية استراتيجية ضخمة ضد تنظيم الدولة بقيادة روسية مباشرة، كما كان لافتا للنظر أن تقوم الطائرات الأمريكية بتنفيذ غارة جوية قرب تدمر، استهدفت وحدة تكتيكية تابعة لداعش، وجرى تدمير موقع قتالي للتنظيم».
هذا ما تم تسجيله في تدمر حيث شنت مليشيات الأسد هجوما واسعا على المدينة تحت وابل كثيف من القصف الصاروخي والمدفعي وتغطية جوية روسية كاملة، بعد السيطرة على المدينة الإستراتيجية، كما تم تسجيل سحب مجموعات مقاتلة تابعة للنظام من محافظة القنيطرة واللاذقية للقتال في تدمر, مستفيدين من الهدنة, وكان لافتاً أن تندلع حرب ضروس في جنوب سوريا بين فصائل الجيش الحر, ومجموعات تابعة لتنظيم الدولة في تلك المنطقة, في نفس التوقيت هل كان هذا صدفة فقط؟
ومما يدفعنا للاعتقاد بأنها حرب إعلامية فحسب، أن القوات الروسية ومليشيات الأسد تركت مدينة «القريتين» في ريف حمص الجنوبي خلف ظهرها وأسرعت إلى تدمر مع أن أي محلل عسكري حتى لو كان مبتدئا يعتبر هذا تهورا وتصرفا أرعن.
وتصب تصريحات رئيس وفد نظام دمشق لمحادثات جنيف بشار الجعفري الذي قال: «التحالف الدولي لم ينجح في سوريا لأنه لم ينسق مع النظام، وروسيا نجحت لأنها تنسق معنا « في سياق التسويق الإعلامي لنظام الأسد.
لكن لو ربطنا الهجوم على تدمر بالمعارك التي فتحها التنظيم في درعا قد نصل إلى نتيجة أن هناك شيئا يدور في الخفاء للتغطية على خسارة التنظيم لمدينة تدمر التي سيطر عليها خلال ساعات بعد أن سحب نظام الأسد قطاعاته منها بما يشبه الاستلام والتسليم وقام بإفراغ الدوائر والمتاحف والبنك المركزي قبل شهر من اقتراب داعش منها آتية من الرقة قاطعة «250 كم « دون أن يعترضها أحد إن كان طيران الأسد أو طيران التحالف.
سيطرة نظام الأسد الكاملة على مدينة تدمر يعني أنه بات يتحكم بمعظم المناطق النفطية ومناجم الفوسفات وعقدة مواصلات حيوية تفتح له الباب مشرعاً إلى محافظتي دير الزور والرقة عاصمة التنظيم.
والواضح أن انسحاب داعش من الرمادي ومركز الرطبة الحدودي فتح شهية إيران للحصول على ممر بري من طهران إلى بيروت عبر تدمر المقابلة والقريبة من العراق.
بالعودة إلى جنيف والورقة التي كان يبحث عنها الجعفري، أصبحت بأيديهم. وأضحت كفة نظام الأسد الأرجح على الأرض في مناطق محدودة بعد أن أمن له حليفه الروسي منطقة آمنة في ريف اللاذقية وأبعد الخطر عن دمشق بعد أن سيطر على مدينة الشيخ مسكين في درعا، بالتالي ما الذي يدفع الأسد لتقديم التنازلات، لوفد الهيئة العليا للمفاوضات. حول تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات.
ولو أخذنا بعين الاعتبار ما أعلن عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، موسكو وجدت تفهماً في واشنطن - على المدى البعيد - لموقفها الأساسي بأنه ينبغي ألا تطرح قضية مستقبل الرئيس السوري على جدول الأعمال (بالمفاوضات) في المرحلة الحالية».
الأمر الذي نفاه المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، مايكل راتني الذي أوضح في بيان له أن واشنطن كانت واضحة جداً بأن المفاوضات ستتناول «القضية الجوهرية» المتمثلة بالانتقال السياسي، وأن الانتقال السياسي الذي نتحدث عنه ليس شيئاً غامضاً أو مبهماً، إنما هو «انتقال بعيد عن بشار الأسد».
خلاصة القول لا يمكننا أن نراهن على أي تراجع في السلوك السياسي لنظام الأسد وتعهداته بسحق الثورة السورية.
ويمكننا الذهاب بعيداً في قراءة ما ستنتج عنه جولة جنيف القادمة. فشل ثم مزيد من الفشل.