كانت اللحظة التي أعلنت فيها اجتيازي لمرحلة الماجستير نقطة البداية. لم تكن حياتنا تقف عند ناحية معينة، الحياة كفاح، الأبواب المفتوحة، والفرص ليست متاحة غالبًا، حينما تقضي عمرك للبحث عن حقيقة ما، وكتابتها، لا ينتهي مشورك، لا تنتهي محاولاتك أن تضيف جديد، تضيف حياة، تبعث فكرة، كانت فكرتي من البداية أن أنجو، أن أحقق ما أصبوا إليه.
في المحاضرة الأولى للماجستير كان الدكتور يتحدث على الفشل والنجاح وصعوبة الطريق، والتوقف والمواصلة. علقت في قلبي كلماته، يوم كنت قليلة الخبرة، والعمر. كان يعنيني كثيرًا أن تمضي هذه المرحلة، أقلقتني فكرة أن ينقطع المشوار أن لا تكتمل القصة، أن تغفل النهاية. أحب دائمًا الاكتمال، لكن رغم اكتمال الحدث، والرسالة. الآن أشعر بأنها لم تكتمل.. التاريخ لم يكتب جيدًا، تتكشف الحقيقة رويدًا رويدًا في خضم الأحداث والصراعات.
حينما التفت إلى سورية وصراعاتها وجثم الاحتلال على صدرها، تشدني البطولات الفردية، بطولة الشعب المخذول.. الشعب الذي مازال يكابد ويعاني حتى وصل إلى الاستسلام للأمر الواقع ومواصلة الحياة، والقتال.. حياة وقتال.. كيف تجتمع هذه الكلمتان وتتناقض.. تجتمع بصدر شاب سوري يحمل راية وطنه، وسلاحه، يسعى لطرد المحتل، ويجاهد.
الجهاد يعود إلى مقاومة المحتل.. هل التاريخ يعيد نفسه، هل هزمنا التاريخ، ولم نأخذ الدرس منه، الدرس الذي يعيده بألم. أتمنى أن لا يكون ذلك صحيحًا. أتمنى أن لا يهزمنا التاريخ، أن يعود علم التاريخ لأهميته أن نقرأه بصدق، نأخذ العبر منه، ونستفيد، أن ننهض ونستفيق.
كما نهضنا باليمن وحاربنا الاحتلال الفارسي الذي يريد أن يمحوا العروبة، ويضطهد البشر. أن يقتل الطفولة، ويسلب الوطن. أن نتكاتف بيننا ونتناسى جميع الفروقات الصغيرة ونتجه للأهداف الكبيرة أن نبني جسرًا من حب وحجر بيننا، كما حدث بيننا وبين مصر، هذا الجسر الذي بنته قلوبنا قبل أيدينا، بحب وبأمل.
كالأمل الذي حمل الملك سلمان إلى مصر بذكرى شبابه الأول ساعيًا إلى مزيد من الترابط بين الشعبين، مزيدًا من الصلة، بكل الحب الذي ملأ قلبه وروحه لمصر ولوطنه. كما قال ذلك بحسابه بتويتر.
تويتر الذي يصل بيننا كشعوب مسلمة يوم فرقتنا الجغرافية والأحزاب، والطائفية.. يجعلنا نشعر بألم الآخر بعمق كلمة الرسول صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) حينما نتشارك نحن البعيدين عن بعض بالإحساس بالمسلمين وجروحهم بسوريا واليمن والعراق، بالفلوجة التي تموت جوعًا. وكيف نحاول أن نساند أخوتنا، وأن ندعو.
أن تمتد يدينا إلى السماء وندعو بالأمان والخير يعم بلاد المسلمين، والوحدة والقوة، وأن يكون الله مع خطوات ملكنا حينما يحاول أن يجمع المسلمين بجسمه النحيل، وخبرته العتيقة في تحالف إسلامي، لردع كل معتدٍ، وحماية لكل ضعيف، ملكنا الذي عرف التاريخ وقراءته عن كثب كيف ذلك، وهو مازال معلمًا وقارئًا. حاثًا على دراسته وفهمه ومدركًا تاريخ الماضي، وعبره. داعمًا المراكز لخدمته وتوثيقه كدارة الملك عبدالعزيز التي سخرها للتاريخ، لحفظ تاريخ وطننا. الذي حفظه بقلبه قبل كتبه ووثائقه.
وطنا لم يعد صغيرًا كل وطن للمسلمين وطني، والتاريخ ليس محدودًا، شاسع كأحلامنا. ونود لو نكتبه من جديد بعمق ومحبة، وصدق. أن لا نحصره بزاوية ضيقة، أن نعود نتلمس حقيقته ونأخذ فائدته، كي لا يهزمنا التاريخ، وننهزم.
- هند المطيري