تعليقًا على مقال د. ناهد باشطح في عدد الجمعة الأول من إبريل 2016 (التكامل بين الدين والأخلاق) فإن غياب بعض الأمور حين يفقدها الإنسان لا تؤثر، خاصة حين تكون تلك الأمور مختصرة على جانب خاص بالشخص نفسه، لكن المشكلة حين يفقد بداخله حس الشعور بالآخرين، مثل شعور الرحمة وشعور الأخلاق.. فهنا يكون كم هائل من الانحطاط الخلقي وانعدام الإنسانية. لقد مدح الله في مُحكم كتابه نبينا الكريم بأنه على خُلق عظيم، فقال {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
دائمًا فَقْد أمر ما يؤثر على شخص، فكيف بمن فقد فن التعامل في الأخلاقيات؟ ديننا دين معاملة حسنة، ونظرة راقية.. ففن الرقي بالأخلاق فن لا يدركه إلا القليل. وحين أقول القليل أي من يطبقه بصدق قليل من الناس، القليل من يطبق، والأغلب يطبقه لمصلحة أو ابتغاء شيء من الطرف الآخر. لا بد أن يعلم الكثير أن الأخلاقيات في التعامل هي الرقي بمعلم من معالم الدين الحنيف، وأيضًا هي نبذة حسنة تُظهر الشخص أمام الناس بمدى ماهية صاحبها. وبعيدًا عن أمور الدنيا، نحن نريد تعاملاً جيدًا، يخفف علينا من صراعات الحياة، وقلوبًا رحيمة ذات خلق نبيل.. فأين الضرر حين يتحسن الخلق؟! بل إن من يرى تعاملك الحسن يشعر بأن الحياة ما زالت تحمل حياة أكثر جمالاً.
أحيانًا بسبب ضغوط الحياة نختلف قليلاً في تعاملنا، لكن نستوعب فيما بعد، ثم نشعر بالندم، ونشعر بشعور مؤلم، خاصة في تعاملنا مع بعض الأشخاص المحبين لنا. ليس خطأ أن نخالف ونحاسب أنفسنا، لكن الخطأ في عدم المبالاة وانعدام مستوى الذوق والتقدير.
مسألة التعامل قد تكون صعبة في تنوُّع مستويات الناس لديك، فتعامل الصديق يختلف كثيرًا عن تعامل مديرك بالعمل، وكذلك يختلف مع من تعارفهم بسيط وسطحي معك.. وبعض من هؤلاء قد يكون معقدًا وصعبًا في التعامل معه، لكن حاول قدر الإمكان أن تكون منصفًا في التعامل، وابتعد عن الإساءة، واقترب قليلاً من المعروف؛ فمعروف القول من خلق النبلاء والعقلاء. ومما لا شك فيه أننا نرى أخلاقيات وتعاملات تجعلك تفكر كيف تعرفت عليهم، وقد تندم على بعض المعارف، لكن تحمَّل؛ فالحياة لا تسير كما نريد.
التعامل بالأخلاق للمصلحة فقط هو أسوأ ما يكون. والشخص العفوي قد يأتيه من حب الناس وتقديرهم أكثر بكثير من الشخص ذي المصلحة؛ لسبب واحد فقط، هو أن الشخص العفوي يتحدث بشفافية، ويتعامل بأخلاقه ذات المصداقية التي خلقه الله عليها. عندها يعلم الجميع أنه لا يسعى لحاجة أو مصلحة زائلة. أما دخول الشخص ذي المصلحة بشكل مفاجئ في صفوف هؤلاء فيُحدث نوعًا من الثرثرة والضوضاء باستفهامات عديدة.. كيف؟ لماذا؟! إذن، لا بد أن يرتقي كل إنسان قليلاً عن التصنع لأجل مصلحة أو حاجة، تجعله يمثل على الجميع، والكل غالبًا يعلم ما هي أخلاقياته.
فكِّر قليلاً، عش لنفسك أنت، لا لأجل التقرب للناس بالتصنع أو التمثيل المزيف.. لا تكن أمام الناس بأخلاق وخلف الكواليس بأخلاق أخرى، وتأكد أن الدين خُلق. لا تجعل المصلحة تميت فن التعامل بداخلك، وتذكَّر أن نبينا كان يدعو قائلاً: «اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي».
المصلحة مهما كانت قوتها فإنها تموت، وتستغني عنها في يوم من الأيام، بعكس التعامل الحسن الذي لا يموت حتى وإن مت أنت.
ريما المقبل - الرياض