ما زال الليل يرخي سدوله، والشمس تنتظر دورها لتطل على الوجود؛ لتعلن بدء الحياة من جديد، لكن ابنتي أجبرها النظام التعليمي الذي لا يعترف بطفولتها على أن تبدأ يومها قبل أن يبدأ اليوم نفسه! أطفال المدارس يصحون وما زال في الليل بقية، يذهبون لمدارسهم قبل أن يذهب الموظفون لأعمالهم، فأثناء صلاة الفجر كانت ابنتي ذات الأعوام التسعة تركب (باص) المدرسة الذي يأتي إليها في هذا الوقت المبكر؛ ليكون لديه الوقت الكافي للمرور على جميع الطالبات في عدد من الأحياء!! فمدرستها الأهلية رغم أنها من أقدم وأغنى وأشهر مدارس مدينة الرياض، لكن ملاكها لا يريدون توفير مزيد من الحافلات؛ ليريحوا طالبات كالعصافير، يُجبرن على الذهاب للمدرسة قبل أن تصحو العصافير! كثير من الطالبات لا يأخذن كفايتهن من النوم بسبب استيقاظهن المبكر! ومع (اللفلفة) في الشوارع نامت الصغيرة. نزل الجميع، بمن فيهم (أبو هنود) الذي أغلق باب الحافلة بإحكام، وراح (يسوي قرقر) مع بقية السائقين. أفاقت البنت بعد ساعة من غفوتها، واكتشفت الموقف، وراحت تبكي وتصرخ وتضرب بيديها أبواب ونوافذ الحافلة؛ فساق الله لها سائقًا آخر، جاء لحافلته؛ فانتبه لها.
كان يومًا عصيبًا عليها وعلينا، لكن ليس على المدرسة التي اكتفينا منها بالاعتذار، وبوعد من إدارتها بتوعية السائقين وإجبارهم على تفقُّد الحافلات قبل أن يغادروها؛ لكي لا تحدث حوادث مشابهة!! هذا الحادث ليس فرديًّا؛ فالحوادث المشابهة، التي تنوعت نهاياتها؛ فوصل بعضها للموت، ليست قليلة، وهي توضح أن بعض المدارس الأهلية وغيرها لا تعنى كثيرًا بسلامة الأطفال، وكل ما يحدث مجرد ردود أفعال مؤقتة!!
تذكرتُ هذه الحادثة التي حدثت مع ابنتي قبل سنوات وأنا أتابع حوادث مماثلة، تحدث لطلاب المدارس وللمعلمات. وعن السبب ابحث دائمًا عن السائق، سواء المتهور أو الجاهل الذي لا يعرف معنى أن يقود حافلة فيها بشر ائتُمن على سلامتهم!
صفحة حوادث السائقين لا تقتصر فقط على إغلاق الأبواب على الأطفال النائمين؛ فحوادث دهس متواترة، تُزهق فيها أرواح الأطفال، تنشرها الصحف بشكل مستمر.
المسؤولية الأولى والأخيرة في الحوادث التي يتعرض لها الطلاب والمعلمات تقع على وزارة التعليم التي يُفترض أن تضع نظامًا لتشغيل السائقين، يشتمل على الحصول على دورة توعية، تكون شرطًا أساسيًّا لمزاولة مهنة «سائق نقل مدرسي»، سواء داخل المدن للطلاب، أو خارجها؛ فكثيرٌ من السائقين يقود بتهور، ولا يتعامل مع الأطفال كما يجب، وربما استغل طفولتهم وبراءتهم لأمور لا تخفى عليكم! ومسؤولو وزارة التربية كان العشم أن يتخذوا إجراءات كثيرة تجاه المدارس الأهلية، خاصة أن بعضًا منهم، سواء من تقاعد أو من هو على رأس العمل، يملك أو يشارك في ملكية مدارس أهلية، وهنا يكون اطلاعهم على الميدان ومشكلاتهم أكبر، ومسؤولياتهم أكبر أيضًا!!
الحوادث مفجعة، وهي في غالبها استهتار وتهور وعدم وعي بقواعد هذه المهنة الخاصة جدًّا! أحد السائقين رجع بحافلته دون أن ينظر إلى مَنْ خلفها؛ فدهس طالبة. وآخر انطلق مسرعًا بعد أن أغلق الباب على عباءة الطالبة؛ فسقطت تحت عجلات الحافلة! في المقابل، سائقو المعلمات ضحاياهم بالجملة، وهذا الفرق بينهم وبين سائقي حافلات الطلاب! إن رحلة حافلة المدرسة في شوارع مدينة كالرياض هي رحلة محفوفة بالمخاطر، خاصة أنه لا يوجد وعي بأن تعطَى الأفضلية لحافلات المدارس كما يحدث في كثير من الدول، بل إن سائق الباص يدخل حلبة السباق (شوارعنا) بالقدر نفسه من فرص السلامة التي تمنح لغيره من سائقي الأجرة وسيارات نقل العمال والسيارات الخاصة وغيرها.. ليجد نفسه في الشارع هو (وشطارته) التي اكتسبها، وخبرته في المناورة والمغامرة!!
alhoshanei@hotmail.com
تويتر alhoshanei @