تذكر أن السماء ليست مساحة ولا مدة زمنية بل هي نفسك أن تكون كاملا وأنك ستصل إليها فقط متى ما تعلمت المحبة.
رتشارد باخ
وكما ما يفعل خط إنتاج مصنع رديء لبضاعة سيئة السمعة وجعلها وافرة بقيمة أقل على رفوف العرض كذلك تفعل بنا الحياة .
هناك إنتاج متشابه للذات للفرد وللإنسان ليكون هو أيضا بذات القيمة وذات التشابه وذات المعايير التي تكاد تصل حد التطابق والويل كل الويل لمن حاول التمرد ..حاول الخروج من هذا النسق ومن هذه القولبة المتكررة حاول الاختلاف . والذين حاولوا أو جربوا التمرد يعرفون ويتذكرون الدرس جيدا و لقد كانوا على الدوام بين خيارين : تهمة الجنون وحتى الاضطراب النفسي أو النفي خارج أفق الجماعة, والذين كانوا عاجزين عن دفع الثمن وتحمل تبعات قراراتهم ورضوا بالقبول والإقامة داخل النسق الممل عادوا لفضاءات السرب محتمين بغربتهم و صمتهم وبمنافي الروح.
هناك مجانية مفرطة من الكل ومبادرة غير مشروطة ببذل الذات والرأي وبالمواقف والموافقة وبالأنا الكاملة مقابل اللاشيء..البذل المطلق دون أسباب..بذلُ ليس من أجل الكرم ولكن مقايضة بالكرامة.
و يبدو أنه غدى من المستحيل الآن احتفاظنا بنا , بما نعتقد.. بما نظن وبرؤيتنا المختلفة للحياة وقناعاتنا التي قاتلنا دونها طويلا. ولم يعد الصمت منجاة لنا من المشاركة في ما نظن أنه خاطيء أو صادم لقناعاتنا أو حتى فقط لأننا نريد أن نكون نحن .. لا , الصمت لم يعد كافيا وعلينا نفي التهمة عنا .. تهمة الصمت صمتنا لأننا نريد أن نكون نحن أو مواجهة النفي ورسم ألف علامة تساؤل حولنا وحول هويتنا ومن نحن و»بمكارثية» مقيتة
فهل أصبح الملاذ الجنون أو الابتذال ؟ ومنذ متى غدى الصمت خيانة؟
كل شيء يأخذنا للقولبة والتسطح وما من منطقة وسط حتى وإن تنازلنا عن كل المكافآت التي تلوح لنا بها الجماعة و ثقافة الجماعة ’ ثقافة ذوبان الشخصية ثقافة أعواد الكبريت.
وغدت حدودنا النفسية مهددة ونحن لم نعد نحن .كل شيء فينا لم يعد لنا ولا حتى الأرض التي نقف عليها والمنازل التي نحمل مفاتيحها في أيدينا وندعي أننا نمتلك ، هذه المنازل لم تعد قلاعنا التي نحتمي بها ..فأنا أنت ..أنا هو ..أنا نحن وكلنا على خط الإنتاج المتشابه وبفوارق مصنعية بسيطة.
منازلنا بيوتنا قلاعنا رغما عنا يدخلها كل شيء ,يدخلها ضد إرادتنا ضد قناعاتنا وضد ما نعتقد أنه لا يتوافق معنا وأي خصوصية ندعي الآن ؟ ومالذي بقي منها بعد كل هذا الطوفان . واليوم نحن لسنا أكثر من متسولي لحظة سلام وتصالح وسابحين في نهر يجري بنا إلى حيث لا ندري لا اليوم ولا الغد.
حدودنا النفسية هذا المصطلح الذي يجب أن نقاوم دونه طويلا ليبقى أنا أنا وأنت أنت وحتى لا نغدو بذات القيمة كبضاعة تحمل « بار كود» واحد تماما كما هو كل مستهلك في هذه الحياة.
- عمرو العامري