يقول نابليون هيل: «أحرق كل مراكب العودة، بذلك تحافظ على حالة ذهنية اسمها الرغبة الجامحة في النجاح، اللازمة لإدراك أي نجاح».
جاء في لامية ابن الوردي الشهيرة
وتغافل عن أمور إنه
لم يفزْ بالحمدِ إلا مَن غفلْ
يقول الحسن البصري - رحمه الله -: «ما زال التغافل من فعل الكرام». ويقول الإمام أحمد - رحمه الله -:» تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل».
والتغافل كما عرفه البعض «هو إعراضك عن أمر صدر من عدو أو صديق وأنت تتيقن غرضه السيئ منه، فتقابله بالتحلم والتسامح في التعامل معه».
وهذا هو أدب السادة وعلية القوم أخلاقًا.
هذه هي القاعدة الذهبية التي صرح بها نابليون؛ لنسير في طريقنا إلى الأمام بعيدًا عن العداوات القديمة وفتيلها الممتد بتغذيته. سبقه لها أوائلنا عندما نصحونا بالتغافل؛ فالتغافل نعمة، غفل الكثيرون منا عن فضائلها وما يترتب عليها من فوائد.
فضعفاء الهمم ممن تقاعست طموحاتهم يتعاملون
وكأنهم في حرب لترصد أخطاء وهفوات غيرهم.
هؤلاء يعيشون في همٍّ دائم. ماذا يتصيدون؟ وكيف يتصيدون؟ ولو كان للغيظ رائحة وصوت لسمعنا صوت تمايز نار غيظهم تستعر, قبل أن تبدو على وجوههم وتتهدج بها أصواتهم. لا يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام؛ فإن الناس مجبولون على الزلات والأخطاء، فإن اهتمَّ المرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب.
أحيانًا تُفاجَأ بأنك تغلق عليك باب دارك وتأتيك (التهايم وأنت نايم) كما يقال.
وقد تكف رجلك عن الناس صدقة منك عليهم؛ لأنك تعرف أنهم لم يعرفوك جيدًا، أو لم يحبوك؛ فيتهمونك من حيث ابتغوا. ليس عليك أن يحبك الجميع؛ فنبي الأمة - بأبي هو وأمي - لم يرضَ عنه الخَلْق.
ومن يدري، لعل القيل والقال عنك في غيبتك مفتاح باب خيرك القادم الذي يدخره الله لك:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت
أتاح لها لسان حسود
الناس قد يكرهونك جدًّا لحديث أحدهم عنك، ويجمعك بهم موقف تتكشف فيه حقيقتك لهم؛ فيحبونك من حيث كرهوك.
التودد والتزلف لكسب قلوب الآخرين الذين لا يستحقون نوعٌ من الإذلال للنفس الذي لا يليق بعاقل، وإذا قيل بأن رضا الناس غاية لا تدرك فينبغي أن نؤمن بأنها أيضًا لا تُطلب. يكفي أن نُرضي الذي خلقنا, ونسير على النهج الصحيح، وما علينا إذا عاث بسيرتنا المغرضون؛ فللقلب رب يحميه, ومحبة الناس وقتية لا تدوم, تؤثر فيها عوامل كثيرة؛ فكم من صديق اصطفيته لنفسك وصنعته على عينك غيَّبته مشاغل الحياة عنك, أو بهت لموقف عابر في عينه. والقيمة الباقية لك: أن تكون مع الله كما يريد؛ ليكون الله لك كما تريد, وأن تدع الخلق للخالق أسلم لروحك, ولقلبك, ولعقلك أيضًا.
أحرق مراكب العودة لكل إساءة وُجّهت إليك, ولا تطاوع نزغات نفسك بأن عليك أن ترد الصفعة بمثلها, وتتحين الفرص للوثوب والثأر. هذا الاشتعال الدائم لقلبك وروحك سيحرقك؛ فتحلى بأدب السادة, وتغافل عن الإساءات, ولا تشغل فكرك بالثارات, فهذا خُلق ذميم، لا يليق إلا بمن رضي بالعيش بين حفر الانتقام والثارات.
أحرق مراكب العودة لكل ألم.. لكل وجع.. وادخرها عند الله تكن سيدًا بأخلاقك، عظيمًا في همتك.
- د. زكية العتيبي
Zakyah11@gmail.com