زمن الطيبين ..
المصطلح الذي أفرزه جيل الستينيات و السبعينيات و الثمانينيات على الماضي الجميل النقي الطيب بأهله وبساطته وسماحته ووقته وآلاته ودلالاته، الزمن الذي كانت الأسرة تجمعها سفرة الفطور و الغداء والعشاء واللقمة المباركة تكفي و تسدّ..
الزمن الذي عشنا مواسمه كاملة عرفنا قدسية رمضان و فرحة العيد وصلاة المشهد والتزاور وقيمة كبير العائلة الذي يرحب ويضيّف و يلمّ ويصلح ويفتح بابه دوماً بكل وقت ولكل أحد ..
الزمن الذي نعرف فيه أقارب الأب وأقارب الأم والجيران وجيران الجيران و عمدة الحيّ و « البوّاب» وحارس العمارة المجاورة ..
الزمن الذي يوقظنا فجره عند ساعة الخامسة الرنانة ، فنحترم الوقت و هيبة صلاة الجماعة و الخبز الطازج من الفرن قرب المسجد وسفرة أمهاتنا اللاتي يعتنين بها من شايٍ أصيل و بيض مسلوق و جبن و حليب و سمن و عسل ... ثم يعتنين بملبسنا وربطة شعرنا و حقائبنا وخبز الفسحة وقبل الخروج نقبل دفء أيديهما وخطوط الجبين ونفرح «بثلاث ريالات « يشركنا فيها ابتسامته المغفور له بإذن الله الملك فهد ، ونخرج مع صوت الراديو وإذاعة المملكة العربية السعودية والفاصل اليومي ( احرث وازرع أرض بلادك ، بكرة تجني الخير لـ اولادك ) يا الله .. حتى الأرض -كانت -طيبة !
زمن الطيبين الذي يتكلم الأب مع الأم والأبناء
ويسأل عن المدرسة والمواد والشهادة والاختبارات لا فضائيات تخطفنا عنهم ولا جوالات تسرق الوقت من معصمنا كاليوم لـ نتباهى بلبس الساعة لمجرد التعويض !
الزمن الذي نتوق لشاشته البسيطة وفقرات برامجه رغم محدودية البث اليومي ومع ذلك كان المكوث أمام التلفاز وبرامج الأطفال أمر مُنتَظر ومحبب .. الزمن الذي إذا مرض في العائلة فردٌ ، سهر الجميع لأجله ..
الزمن الذي لم تكن فيه خيارات ولا بدائل للتسلية وتمضية الوقت ومع ذلك لم نكن نشعر بالملل ..
الزمن الذي عرفنا فيه قيمة العلم و المعلم وقلم الرصاص والممحاة والمسطرة ..
الزمن الذي نَمى بشكلٍ عجيب دون أن نشبع من رائحته ، أو نتأهب لتوديعه .. أما الآن سيأتي أطفالنا بعد ربع قرن ليكتبوا عن الزمن ( الرقمي) الجميل فهم لن يشعرو بالحنين لماضٍ لم يعيشوه
ولو تطوّرت الأدوات فلن تتواكب النكهة .. جيل التفاعل والمشاركة والصوت والصورة والتطبيق،جيل القنوات الفضائية المتعددة ، والألعاب التشاركية بين طفل بالمشرق وآخر بالمغرب في غرفة ألعاب ..
زمن تكنولوجيّ سريع وضع الجديد أمام كل تقليدي فمن لم يساند أطفاله برفع ثقافتهم ووعيهم ويحميهم من المشكلات المحتملة فسوف تتفكك علاقاته الأسرية ( هذا إن بقيت ) ويصبح نداء الأم للأبناء بالواتس آب و المنبه بالجوال ، و الأب بالاتصال والسفرة باهتة ، والبركة مفقودة ، والوقت نائم و الوجبات سريعة وربعها قيد التصوير والخادمات أصبحن ربات البيوت وأغلب أطفالنا لا يعرفون طريقة التعبير عن أمهم وأبيهم و الجد والجدة و الوطن والولاء ولايعرفون لماذا يجب أن يأكلوا بيمينهم ولماذا يبدؤون السلام من اليمين و يبدؤون بالكبير ولايعرفون طريقة الأخذ والمناولة
والشكر والتقدير
هذا زمنهم الذي سيكون يوماً من الأيام زمناً طيباً إن لم يُربَّ على الأصول والواجب فعلى الـ(كل) السلام.
- إيمان الأمير