بهذا اللقب يناديها المئات من الأحفاد وأحفادهم، اسمٌ له صيته، ولقب يُبهر ببريقه، ينضوي تحت هذا الاسم العشرات من الأسر من مختلف المحافظات بل والمناطق، لا أعرف من عاصر بداية قرنين من الزمان متباينين تبايناً تاماً غيرها، لم أدرك أحداً كانت ركائبه الإبل سواها، كانت سيدة مهيبة رصينة لماحة ذات فراسة ثاقبة تبهرك بمعرفة حال الشخص بنظرة إليه، ومع ذلك كانت عاطفتها مرهفة تأسى لأسى أحد أولادها أو أحفادها وتمرض لمرضه، ينقلب البيت الذي تدخله إلى خلية نحل من زوارها وأحبابها، أجمل الدقائق متعة في حياتي عندما أستمع إليها وهي تتحدث عن قصص الماضين وبخاصة قصة زواجها أو حجها،كانت بارعة في سرد القصص والقصائد، تضفي على مجلسها البهجة والسرور.
وَكانتْ لعيني قرة ًوَ لمهجتي
سروراً فخاب الطرف والقلب منهما
أراد الله سبحانه أن يكون شهرها الأخير وهي تودع الدنيا تمحيصاً وابتلاء، بعد ما كانت في صحتها وعافيتها وسلامة حواسها، ونرجو أن تكون هذه الخاتمة رفعة في درجاتها،
وَ قدْ كنتُ أخشى أنْ أراكِ سقيمة
فكيفَ وَقدْ أصبحتِ في التربِ أعظما؟
انتقلت أمي طريّف القميزي (أم علي)-رحمها الله-إلى بيت زوجها أبوي عبدالعزيز المحمود-رحمه الله- من المزاحمية إلى الرياض عبر ركائب الإبل، ياالله أي قافلة.تلك التي تمتيطها تلك البُنيّة الصغيرة وهي في عامها الثاني عشر إلى عش الزوجية، وأين سيكون قضاء شهر عسلها إذا كان الانتقال عبر تلك الركائب، فلله ما أعظم تلك النفوس في تلك الأجساد، ولله كم عانت وصبرت وتحملت شظف العيش وقسوة الحياة، ومع ذلك كانت تلك الزيجات ناجحة 100%، لم يحصل.بينهما خلاف قط في أي مطعم سيكون العشاء نهاية الأسبوع، أم إلى أي وجهة ستكون السفرة نهاية العام، كان جل همهم صلاح أولادهم وترابط أسرتهم، وصلة رحمهم وإكرام جيرانهم،كان الطبخ والنفخ للزواج من قبل أهل البيت وبتعاون الجيران، فليس هناك مطاعم أو مطابخ، وكانت أمي طريّف سبّاقة لتلك الـ(فزعات):
إذا الحمل الثقيل توازعته
أكف القوم خف على الرقاب
كانت المهور بسيطة، والعشاء غير مبالغ فيه، فليس هناك قصر للأفراح تُمد من خلال سفرته أصناف المآكل والمشارب ثم لايؤكل نصفها، أو تقديمات قبيل العشاء لأصناف الشوكولا والفطائر تعادل في قيمتها العشاء، و ليس هناك كوشة للأفراح تعادل في قيمتها مهر العروس.
كم نحن في حاجة ماسة إلى زيادة توثيق صلة أبنائنا وبناتنا بأجدادهم وجداتهم! فلابد أن يعي الأبناء ماكان عليه الأجداد والجدات حتى يستشعروا النعمة التي يرفلون فيها، إذا سمع الأحفاد ببعض هاتيك الأخبار لا يكادون يصدقونها أو يتخيلوا أنهم يعيشوا مثل تلك الحياة، فالمرء لا يستشعر النعمة التي يعيشها إلا إذا رأى من فقدها، فنعمة الأمن ورغد العيش لا يستشعرها إلا من عاش الخوف والجوع.
لقد اختلفت الحياة وتغيرت تغيراً سريعاً وجذرياً، فالحضارة في نجد قبل مائة عام لا تختلف عما كانت عليه قبل ألف عام، وما يرفل فيه الإنسان العادي في هذا الزمن أعظم مما كان يعيشه ملوك وحكام أزمنة مضت؛ نسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمة الأمن والإيمان.
وختاماً أسأل الله تعالى لأمي طريف المغفرة والرحمة، وأن يجمعنا بها في دار كرامته، وأن يجبر مصاب والدتي وأخوالي وخالاتي وشقيقها وأختاها وأولادهم وأحفادهم ويلهمهم الصبر والسلوان.
عَلَيْكِ سَلاَمٌ لاَ لِقَاءَة َ بَعْدَهُ إِلَى
الْحَشْرِ إِذْ يَلْقى الأَخِيرُ الْمُقَدَّمَا
- د. عبدالرحمن بن عبدالله الخميس