كتب الزميلان د.خالد الخميس ود. أحمد الشايع في الجزيرة (عدد 15889، تاريخ 21 جمادى الآخرة 1437) مقالة بعنوان: هل علم النفس تخصص علمي أم أدبي؟ واقترحا جعل أقسام علم النفس إما في العلوم الطبية التطبيقية أو في كليات العلوم. أشكرهما على إثارة هذه القضية، ولهما كل الاحترام والتقدير.
أود من البداية أن أوضح أني لا أرفض فكرة إخراج أقسام علم النفس من كليات التربية، وجعله في كلية العلوم أو كليات أخرى سأذكرها لاحقا، بل وأميل إليها كرأي شخصي لا يمثل بالضرورة واقع أقسام علم النفس في الجامعات العالمية، لكن ميلي هذا ليس للأسباب التي أوردها الزميلان العزيزان. وما سأتوقف عنده هو نوع الحجج والمعلومات التي قدمها الزميلان لدعم هذا الاقتراح، حيث إنها في رأيي قدمت صورة مشوهة عن واقع علم النفس عالميا، وموضوعه، وتاريخه، وكررت الصورة النمطية السلبية عن علم النفس وموضوعه الجوهري، وسألخص تعليقي في النقاط التالية:
1) يستمد علم النفس علميته وازدهاره عالميا من التزامه بالمنهج العلمي في دراسة موضوعه الذي يميزه عن غيره من العلوم ألا وهو العقل والسلوك Mind الجزيرة Behavior، ولا يستمدهما من إلحاقه بكلية معينة أو من تركيزه على توجه نظري معين كالتوجه الفيزيولوجي الذي أبرزه الزميلين، وهو توجه لا يعبر عن موضوع علم النفس المستقل وقضاياه الجوهرية. وبلغت بساطة تركيز الزميلين هذاحدودا عجيبة في عبارة وردت في مقالتهما تقول: (إن السلوك ...انعكاس لتغيرات بيوكيميائية تجري في الدماغ، وأن قوانين هذه التغيرات هي قوانين فيزيقية يتطلب فهمها فهما معمقا لأصول البيولوجي والكيمياء والكيمياء الحيوية). والحقيقة أن علماء النفس يتفقون على أن ظواهر العقل والسلوك معقدة ومتنوعة بدرجة أكبر بكثير من تغيرات كيميائية الدماغ، وتتفق الدراسات العلمية على أن عمليات الدماغ وتركيبه يتأثران بالعمليات والخبرات النفسية السلوكية البحتة. ولذلك وجدت مجالات بحثية من علم النفس تدرس التفاعل بين العقل والسلوك من جهة وعمليات الدماغ وتركيبه من جهة أخرى.
2) ورد خلط بين فروع علم النفس التطبيقية وفروعه العامة/النظرية في عبارة تقول: (المواد التربوية ... تتقاطع مع علم النفس، كعلم النفس التربوي والتقويم التربوي وعلم نفس النمو). والصحيح هو أن علم نفس النمو فرع من علم النفس العام يدرس التغيرات النفسية والسلوكية عبر الزمن. وخطأ آخر هو فصل علم النفس التربوي عن علم النفس، وكأنه ليس أحد فروع علم النفس! ويتضح هذا الخلط أيضا بظنهم أن علم النفس الفيزيولوجي فرع تطبيقي، وهو نظري أصلا. لكنهما لم يميزا هنا بين الفهم العامي لكلمة نظري والفهم العلمي لها، واتبعا الفهم العامي.
3) ركز الزميلان العزيزان على مجال تطبيقي واحد من مجالات علم النفس، وهو الصحة النفسية، وهذا ينافي حقيقة معلومة بدهيا تجسد أهمية علم النفس وهي أن تطبيقاته تشمل كافة مواقف وقضايا حياة البشر، على سبيل المثال: التعليم، والصحة العامة، والصناعة، والأمن، والأسرة، والإدارة، والسياسة، والعلاقات الشخصية، والسلوك الاستهلاكي، والحرب والسلام، والهوية الشخصية والاجتماعية، إلخ وكل هذه المجالات تستفيد من المنبع نفسه، ألا وهو علم النفس وموضوعه العقل والسلوك.
4) ذكر الزميلان أن بعض مواد علم النفس تنتمي لمتطلبات الكليات العلمية، ومثلا على ذلك بذكر مواد علم النفس الإكلينيكي والأحصائي، والحيوي، والعصبي والفيزيولوجي والدوائي والتجريبي، إلخ. أولا، لا أدري على أي أساس وضع هذا التصنيف الغريب! فعلم النفس الإكلينيكي أو العيادي فرع تطبيقي من علم النفس يطبق نظريات وأدوات فروع علم النفس العام الرئيسية وهي: علم نفس الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، وعلم النفس الذهني/المعرفي، وعلم نفس النمو، والقياس النفسي، إضافة إلى علم النفس المرضي وعلم نفس اللاسواء. وثانيا، حدث خطأ أكبر عندما ذكر علم النفس التجريبي، فالتجريبي فرع من علم النفس يدرس ما يدرسه علم النفس الذهني/المعرفي. والسؤال، لماذا غيبت المواد التي تمثل فعلا التوجة النفسي السلوكي الأصيل لعلم النفس مثل علم نفس الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، وعلم النفس الذهني/المعرفي، وعلم نفس النمو، والتي هي مجتمعة المنبع الحقيقي لنظريات فروع علم النفس التطبيقية والمهنية مثل العيادي والإرشادي والتربوي، والصحي، والصناعي، والإداري، إلخ. لماذا ركز الزميلان على مقررات المنحى الفيزيولوجي الذي لا يمثل موضوع علم النفس وهويته الأصيلة؟ وهذه على أيه حال حجة ضعيفة للمطالبة بجعل أقسام علم النفس في كليات العلوم.
5) أتفق مع الزميلين على وجود معوقات لتأسيس جمعية علم نفس ومجلة علم نفس، وقد عانيت من ذلك شخصيا، وأتفق معهما على ضرورة تفعيل مختبرات علم النفس، وندواته العلمية، لكن هذا ليس مبررا لتشويه موضوع علم النفس ومنهجه وتاريخه، وحصره في زاوية ضيقة تمثل توجها نظريا واحدا من توجهات ومسائل علم النفس الجوهرية التي جعلته علما محوريا في المجتمعات المتقدمة.
6) أكد الزميلان أكثر من مرة أن الجامعات العالمية تضع علم النفس في كليات العلوم. وهذا غير صحيح. فأشهر أقسام علم النفس وأنشطها عالميا توجد في كليات مختلفة تحت اسم «كلية العلوم والآداب»، «كلية العلوم الاجتماعية والسلوكية». فأين هذا من الدعوة التي طرحاها للنقاش؟ يا ترى كيف سيتعامل من يحمل نظرة خاصة لكلمة «آداب وعلوم» لكلية اسمها «العلوم والآداب»؟ أظن أن المشكلات التي ذكرتها في مقالة الزميلين نابعة من نظرة غير دقيقة للأسماء التي تتكون منها هذه القضية المطروحة للنقاش، أي: علم النفس، علم، آداب، علوم.
7) أخيرا، إن تخلف علم النفس في عالمنا العربي ليس بسبب كونه في كليات معينة، فقد بينت عدم صحة هذا الإدعاء في فقرة (6). بل له أسباب كان حري بالزميلين التركيز عليها، وكان حري بهما عدم تكرار الصورة النمطية السلبية عن علم النفس وعدم الانسياق وراء الفكرة البسيطة القديمة التي تقول إن على علم النفس أن يكون علم أحياء أو كيمياء أو فيزياء كي يكون علمياً. هو علم لأنه يعتمد المنهج العلمي، سواء كان في كلية علوم، أو آداب، أو علوم اجتماعية، أو تربية.
- د. فلاح بن محروت العنزي