الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تُعد مسابقة الأمير سلطان بن سلمان لحفظ القرآن الكريم للأطفال المعوقين أول مسابقة في العالم الإسلامي تُقام لتلك الفئة منذ عشرين عاماً، وهي التي بدأت بفكرة من الأمير سلطان بن سلمان رئيس مجلس إدارة جمعية الأطفال المعوقين حيث يتبنى ويرعى سموه فعالياتها ويتكفل بكافة تكاليفها، وذلك بهدف شحذ همم هذه الفئة الغالية من المجتمع لحفظ وتلاوة كتاب الله العظيم أسوة بإخوانهم من الأطفال الأسوياء.
وشهدت المسابقة منذ انطلاق دورتها الأولى عام 1417 هـ مراحل عدة من التطوير والتجديد كل عام. «الجزيرة» التقت بعدد من القائمين والمشاركين في أعمال هذه المسابقة المتميزة الفريدة من نوعها للتعرف عن رؤاهم وانطباعاتهم حول المسابقة بمناسبة مرور عشرين عاماً.
غراس الخير
يؤكد الشيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن السبيهين أمين عام المسابقة أنه على مدى 20 عاماً جنت المسابقة غراس ما زرعه راعيها الأمير سلطان بن سلمان، وأن الترشيحات تأتي من جميع مناطق المملكة شاملة البنين والبنات للمشاركة في هذه المسابقة والتنافس على الخير، ولم تقتصر على المملكة، بل شملت دول مجلس التعاون الخليجي، وهي مسابقة فريدة نالت قصب السبق، حيث إنها أول مسابقة في العالم الإسلامي تقام لتلك الفئة منذ 20 عاماً، وتطورت أساليبها، وفي هذا العام طبق برنامج للأسئلة على الحاسوب، وإن مآثر الخير لا يمحوها الزمن، بل تظل ماثلة في أذهان الجميع أنموذجاً يُحتذى ومنهلاً للثواب وستظل كذلك بعد أن خصص راعي المسابقة لها مشروعاً خيرياً بمكة المكرمة يكون وقفاً عليها.
وفاء وإكرام
ويقول الأستاذ وليد بن صقر المطيري مساعد أمين عام مسابقة القرآن الكريم ولجنة الأوقاف: عشرون عاماً وما كلّت سواعدنا عن نصرة الحق أو خابت مساعينا، وما طفئ السراج، وما جف المداد، ونحن ننسج حلل الكرامة، ونرصع تيجان الوقار، وما أجملها من ليلة كانت مع القرآن بين تلاوة وتكريم في مسابقة الأمير سلطان بن سلمان للقرآن الكريم للأطفال المعوقين والتي تحتفل بعامها العشرين صرحاً قرآنياً شامخاً.
لقد بُدئت هذه المسابقة بفكرة ثم أصبحت مشروعاً قائماً تُؤتي ثمارها بحمد الله بتأسيس ودعم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود فجزاه الله خيراً على ما قدم وما يُقدم.
لقد جعل الله سبحانه وتعالى القرآن هدى ورحمة وشفاء للعالمين، وكم يحتاجه العبد في حياته لتأنس نفسه، وتسكن وتطمئن فكيف بمن كان في حاله أحوج، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد، وقال تعالى: {وَنُنَزِّل مِنْ الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة لِلْمُؤْمِنِينَ} (82) سورة الإسراء.
فهنيئاً لمن شارك في فعاليات هذه المسابقة ونافس فيها جاعلاً شعاره قول الله عز وجل: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} بالفرح بلقاء الله تعالى - بإذن الله وفضله -، والفوز بالرضوان والنعيم المقيم، والقرب من الحبيب - صلى الله عليه وسلم - فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ، كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا).
البركة العجيبة
ويبيّن رئيس لجنة تحكيم المسابقة عضو أمانة المسابقة الدكتور علي بن محمد بن علي عطيف أنّ المسابقة أكملت عقدين من الزمان في هذا العمل الشريف، وإن شرف الإنسان بحسب نسبته إلى ما يشرف به، وأشرف ما ينتسب إليه الإنسان كلام ربه جل وعلا تعلماً وتعليماً وحفظاً وتشجيعاً لطلابه.
ولا شك فهذه بعض من بركة هذا الكتاب العزيز الذي هو: «أندى على الأكباد من قطر الندى، وألذ في الأجفان من سِنة الكرى، يملأ القلوب بِشرا، ويبعث في القرائح عبيراً ونَشراً».
ومن العجيب أن جميع المنافسات والمسابقات فيها فائز وخاسر إلا مسابقات القرآن الكريم فالجميع فائز بحمد الله.
وقد لاحظنا في هذه المسابقة البركة العجيبة في عيش الأسر مع القرآن وكأنك تلاحظ أن الأسرة كلها متسابقة بوقوفها خلف المتسابق إعداداً وتشجعياً ودعماً وهذا ما لا يلاحظه الناظر بوضوح في غير هذه المسابقة التي تتنامى فيها المنافسة عاماً بعد عام حتى وصلت المستويات في فروعها المختلفة إلى درجة أفرحت المتابعين والمختصين في مثل هذا النوع من المسابقات من أعضاء لجنة التحكيم وأعضاء أمانة المسابقة. وقد شهدت هذه الدورة من المسابقة منافسة قوية بين المتسابقين في الفروع والمستويات.
وقد أضيف للمسابقة في هذا العام حوسبة أسئلة فروع المسابقة ومستوياتها جميعها، بحيث يختار المتسابق رقماً يدخل كوده في البرنامج الحاسوبي فتظهر أسئلة المتسابق بغير تدخل من أحد.
وهذه ميزة قد لا تتوفر في مسابقة أخرى.
فالحمد لله الذي يختص من يشاء بما يشاء {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (58) سورة يونس.
تطور ملموس
ويوضّح الدكتور إبراهيم بن سليمان الهويمل عضو أمانة المسابقة أن من المدرَك عند العقلاء أن شرف العلم من شرف المعلوم وكلما ازداد هذا العلم في التقريب إلى الله كان قدره أكبر والشرف فيه أعظم فكيف إذا كان هذا العلم هو كلام الله عز وجل أس العلوم وخيرها وأفضلها الذي أقسم الله به فقال: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} وقال منبهاً على فضله في قول خليله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام عند بناء الكعبة {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} فتلاوة آيات الله تورث العلم للعبد العلم بآياته وصفاته وأحكامه وآلائه وغير ذلك مما يوصله إلى الخشوع والخضوع واتباع أوامر الله، وحفظ هذه الآيات وكثرة قراءتها وترديدها أعظم معين على ذلك، ولا شك أن أمثال هذه المسابقات حائزة قصب السبق في البلوغ إلى هذا الفضل العظيم إذ يتنافس فيها المتسابقون على ترتيل ما حفظوه بأحسن الأصوات وأعذبها وقد روى ابن شهاب الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن»، وإن استهداف هذه الفئة الغالية على قلوبنا جميعاً (الأطفال المعاقين) بهذه المسابقات باب عظيم من أبواب البر إذ فيه ربطهم بكتاب الله عز وجل وإشغالهم عن ما هم فيه من ألم الإعاقة ومعاناتها التي تلهيهم عن التوجه إلى مثل هذا الأمر العظيم ألا وهو حفظ كتاب الله الكريم لا سيما وقد وردت النصوص بمدح فعل الأعمال الصالحات في المواطن التي يغفل فيها عن ذكر الله تعالى بل وترتيب الأجور العظيمة على ذلك كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «العبادة في الهرج كهجرة إلي» وقد مضى على هذه المسابقة عشرون عاماً شهدت تطوراً ملموساً في منهجها وطريقتها ومستوى المشاركين فيها فهنيئاً لمن تبنى مثل هذه البرامج أو شارك فيها أو ساهم في إنجاحها بقدر ما يستطيع.
فكرة صادقة
ويقول الشيخ أحمد بن محسن العبيدي عضو لجنة التحكيم: إن الحمد لله حمداً كثيراً غير قليل دائماً غير منقطع بل يزيد أولاً وآخِراً على ما أنعم به علينا في هذه البلاد من أئمة وولاة منهجهم كتاب الله يعظمونه ويقدسونه ويحرصون على حفظه ونشره بين جميع أطياف ومكونات مجتمعنا الكريم حتى بلغ اهتمامهم فئة المعوقين أو ذوي القدرات الخاصة من الفتيان فكان لهم نصيب من ذلك الحرص والاهتمام، وقد قام ولاة الأمر على رعاية هذه الفئة رعاية خاصة من جميع النواحي، وكان من أهم النواحي التي حظيت باهتمامهم تنشئتهم على حب كتاب الله وحفظه وإتقانه فنشأت فكرة إقامة مسابقة للقرآن الكريم لهذه الفئة أسوة بباقي المسابقات في هذا المجال وكان رائدها أول رائد فضاء عربي مسلم وهو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الجمعية حفظه الله ووالديه الكريمين فأمر سموه الكريم بإقامة مسابقة خاصة في كتاب الله لهذه الفئة الكريمة التي أحب العمل لأجلها ونذر نفسه لخدمتها وإن من علامات القبول استمرار العمل وديمومته، فهي وأعني المسابقة لا نقول في استمرار بل لا تزال مستمرة في تطور وتقدم نحو التميُّز والعالمية، ففي كل عام تشاهد تطوراً واضحاً في شتى النواحي التنظيمية وتقدماً في الحفظ والإتقان على مستوى المتنافسين بل حتى في الجوائز تنوعاً وزيادة، هذه المسابقة المجيدة التي شارف عمرها الربع قرن لم تكن محض صدفة أو طيفاً عابراً بل كانت فكرة صادقة تم دعمها بقوة الإيمان ثم بالإمكانات المادية المتنوعة من راعيها ومؤسسها الأمير سلطان بن سلمان وكذلك من ولاة أمر هذه البلاد الكريمة، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود أيده الله وأعزه، فهي بحق مسابقة رائدة في فكرتها متميزة في منهجها راسخة في تقدمها وتنوعها والله نسأل أن يبارك في الجهود وأن يصلح المقاصد إنه خير مسؤول ومقصود.