أتابع ما ينشر على صفحات صحيفة الجزيرة حول المشكلات الإدارية فنحن لا نقوم بالتغيير من أجل التغيير لذاته، والإداري المحنك هو الذي يعرف من يحتاج إلى تغيير ومتى.
والارتجال في القرار أو تداخل المصالح الشخصية هو من أسوأ المؤثرات السلبية على القرارات الإدارية، فقد نضيع بسبب ذلك الكثير من الطاقات والمواهب لدى الموظفين المخلصين والنابغين!. ودعونا هنا نتطرق إلى عدة نقاط مهمة في هذه القضية.
أولا: ليس كل الموظفين يحتاجون إلى التغيير، فهناك نمط منهم ينتج أكثر وأفضل على منهج العمل الروتيني، وهؤلاء لا ينصح في الغالب بتغييرهم عن وظائفهم لأنهم يعتبرون الأمان الوظيفي في المكان الذي هم فيه والمجموعة نفسها التي يعملون معها. التغيير بالنسبة لهم قد يسبب لهم أزمات نفسية يبدأ معها التذمر والأعذار وإضاعة الوقت ليقل بذلك الإنتاج. التغيير في الغالب لا يكون إلا لمصلحة أكبر، لذلك لا بد من فرز عمليات التغيير، وأن تكون منتقاة على موظفين معينين نعتقد أنه هو الأفضل لهم، وليس التغيير بشكل جماعي !.
ولكن المشكلة أن بعض الإداريين يريد التغيير من باب أنه قدم شيئا حتى ولو كان على حساب الجودة. التغيير لا بد أن يكون مدروسا وليس معمما على الكل، وذلك بأن تشمل الدراسة عدد الموظفين، أنماطهم، من هي الفئة المستهدفة، لماذا نريد التغيير، ما الفوائد المرجوة، ما هي تبعات التغيير، كل هذا لا بد من مراجعته والنظر فيه قبل اتخاذ القرارات.
ثانيا : لا يكمن أن يكون الموظف حقل تجارب، بمعنى أن من لم ينفع هنا نقل إلى هناك، فهذا الأسلوب ليس من الإدارة الحديثة في شيء، بل لا بد من الاستفادة مما يسمى بأنماط الشخصيات أو الديسك أو غيرها من وسائل تحليل الشخصيات، وذلك لمعرفة أين أضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ويكمن أيضا في الاستفادة من قسم الموارد البشرية بوضع ملف كامل لكل موظف و نمطه، ولا أعتقد أن ذلك صعب، خصوصا أننا نعيش في زمن وسائل التكنولوجيا الحديثة والمتطورة. وبناء على ذلك يمكن النظر بكل سهولة في الفئة المراد تدويرها أو إعادة تأهيلها من خلال النمط الشخصي (تحليلي أو عاطفي أو قيادي أو تنظيمي)، وبذلك يسهل معرفة المكان المناسب له، وهذا يوفر الجهد والوقت.
ثالثا: إضافة إلى ما ذكرنا في الفقرة السابقة، أقترح أن يقوم كل موظف بتعبئة استبيان يحتوي على عدة أسئلة لمعرفة أين تكمن إمكاناته ومهاراته، ووضع اختبارات خاصة لمعرفة السمات السلوكية ومجال الاهتمام.
رابعا: الموظفون نفوس بشرية والتعامل معهم يحتاج إلى حنكة وفن ودراية حتى نستخرج أفضل ما عندهم من الطاقات والمواهب، وذلك هو المقصد الرئيس من الإدارة. الإداري هو أشبه بالمدرب الذي يعرف أين يضع اللاعب الجيد في المكان الصحيح حسب قدرته وطاقته، وإلا ضاع الفريق والمدرب!.
خامسا: لا بد أن نضع نصب أعيننا أن أي إداري يمكن أن يتخذ قرارا ارتجاليا، فذلك سهل المنال، ولكن الصعب هو متى أتخذ القرار ولماذا ؟. إن مبدأ التغيير من أجل التغيير فقط ! هو مظهر أكثر منه جوهر.
أخيرا، إذا لم نؤسس قاعدة بيانات للموظفين لمعرفة الشخصيات وأنماطها، ونقاط القوة والضعف، فما فائدة الدارسات والإحصاءات والأرقام؟. الإدارة هي فن يحتاج إلى قاعدة بيانات محدثة حتى تكون القرارات مبينة على أصول علمية ثم يأتي بعد ذلك الاجتهاد، وأما الاجتهاد بدون ذلك، فهو كمن يصطاد في الظلام خبط عشواء.
- أحمد البارقي