ما زالت مشاعري الملتهبة تعانق بحرارة أبهى وأجمل حسان المدن بالمملكة العربية السعودية - الرياض-، الحاضرة الفارهة ذات الإرث التاريخي والإسلامي الموغل في القدم، وبمبانيها المنتشرة المتناسقة، ومآذن مساجدها المتناثرة الشاهقة المشرئبة إلى السماء، وكأنها تلهث جاهدة لتعانق السحاب، هذه زيارتي الثالثة لهذه المدينة الصاخبة بالدعاء، ولسانها ترطب بذكر الله، وجدتها ومازالت محتفظة بنقائها الروحي، وصفائها الفكري . استقبلتني كسائر زوارها ببشاشتها المعهودة وأبت سماؤها إلا أن تشارك في الترحاب، فتساقطت منها وبسخاء قطرات الفرح لتضفي على الجو عذوبة وحلاوة . أمضي اليوم عطلة ترويحية مع لفيف من أبنائي: ( صلاح بكري، صلاح عبد القادر، صلاح الياس، أيمن، رشيد، محمد طه، هاني، راشد، جمال، محمد علي)، وفي أنس أسري تجاذبنا أطراف الحديث تخللته الضحكات المجلجلة فانتعشت الذاكرة الهرمة، وتجدد نشاط الذهن المرهق، كنت أمضي يومي في جو غائم منعش ساحر، تارة منغمساً في نزهة روحية، محتضناً كتاب الله، وتارة أخرى مقلباً صفحات صحيفة الجزيرة السعودية المكتظة بشتى ضروب المعرفة وتطويها ثمان وأربعون صفحة يا للهول !! وقبل أن يتثاءب الليل مكثت بعض الوقت مصاحباً المستر هودجكن ثاني عميد بريطاني لمعهد التربية ببخت الرضا، وكتابه الشيق التوثيقي (Exploring) وهو عبارة عن مجموعة رسائل بعث بها المؤلف لأمه الرءوم بضاحية لندن، تناول فيها ذكرياته ورحلاته. كما تعرض لمسيرة وأهداف التعليم النظامي بالسودان، ثم كتب هودجكن عن عادات وتقاليد بعض قبائل السودان. الكتاب كنز وموسوعة تعليمية تربوية (Encyclopedia) آمل أن يقتنيه كل باحث وموثق للتعليم بالسودان. سأفرد فسحة من الوقت بمشيئة الله لترجمة هذا السِّفر القيِّم الذي جمعه وقدمه ابن المؤلف مطلع عام 2013 وكان قد أهداني نسخة عند زيارته للسودان . في يوم مطير غائم من الأسبوع المنصرم وقفت مذهولاً مزهواً أمام التلفاز وعيناي تحدقان في مشهد وحدث تاريخي فريد، إنه مناورات رعد الشمال (North Thunder) فهو مبادرة كريمة وحلم راود خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، فتحقق وأصبح واقعاً ملموساً يهدف لتوحيد الأمتين العربية والإسلامية وحمايتها من قوى الشر والعدوان، ودرء ظاهرتي التطرف والإرهاب . فهي قوة ضاربة تجمع عشرين دولة وعدد أفرادها ثلاثمائة وخمسون ألف ضابط وجندي تحقيقاً لقوله تعالى {وَأَعدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} صدق الله العظيم.. كان مشهد المناورات رائعاً معبّراً ومرعباً . اهتزت مشاعري وانهمرت دموع الغبطة من مقلتي وأنا أرى بأُم عيني فخامة الرئيس عمر حسن أحمد البشير يقف شامخاً مرتدياً بزته العسكرية المموسقة، وهو يستعرض مع سائر رؤساء وملوك الدول العربية والإسلامية الجنود، بينهم جنود وطننا الأشاوس بأزيائهم العسكرية الزاهية . والعلائق بين السعودية والسودان تزدهر وفي عرس دائم. وفتح السودان قلبه وأبوابه لكل المستثمرين السعوديين.
البروفسير غندور: وهبك الله الصحة والعافية وأنت تتجول في شتى دول العالم رافعاً راية السودان عالية خفاقة والسعي الجاد لتحسين العلاقات، ونحن على ثقة أنك ستحقق الطموح المرجو والأمل المرتقب لما تتمتع به من حكمة وحنكة وطلاقة لسان خاصة في لغتنا الثانية. همس في أذني بعض الإخوة المغتربين بالرياض يرجون أن تحقق لهم الآتي: حث رجال السفارة في الإسراع باستخراج الجوازات الإلكترونية. ثانياً: فتح مكاتب بشتى كبرى مدن المملكة لتسهيل استخراج هذا الجواز تفادياً للمعاناة. ثالثاً: عقد لقاء أُسري كل شهر بين رجال السفارة والسودانيين بالرياض للتنوير والتوعية بما يحدث. رابعاً: هل تحتفظ السفارة بإحصاء متجدد بعدد السودانيين بالرياض وسائر مدن المملكة بمهنهم وأرقام جوالاتهم؟
شاهدت رجال السفارة يعملون بجد ومثابرة رغم قلة عددهم. أعانك الله وأعانهم..
والله المستعان،،،