أكتب عن أمير جازان صدقاً وحقاً، لا عن جميع أعماله لخمسة عشر عاماً من القيادة للمنطقة، فهذا أمر غير يسير، وليس الغرض من كتابتي إبانة اقتداري على المعاني الغامضة، والمرامي البعيدة، وكل كتب عنه وقال من أبناء المنطقة على قدر قوة بيانه وبنانه ولسانه، وليس هذا من باب التحكم باللسان والتشدق في الكلام إذا كان القول موافقاً للعمل.
وذكر محاسن الأحياء سنة كذكر محاسن الموتى، وكل مبادر إلى احتواء الغاية في الاستقصاء، وإحراز قصب السبق في التدقيق ليدرك مراده، ولي في هذا المعنى قول لا يمكن لمتعقب أن يجد بعده متناولا ولاوراءه مكاناً، وإذا علم الكاتب أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد أرجعه ذلك إلى العلم بقوة الله وقدرته الذي له السماوات والأفلاك والعوالم كلها وجميع الموجودات بسبب منه ولا يشذ عنه منها شيء يعز من يشاء ويذل من يشاء.
من علم هذا استعاذ بالله من قول الزور والعمل به وأنا أستغفر الله تعالى مما يكتب الملكان ويحصيه الرقيبان من هذا وشبهه استغفار من يعلم أن كلامه من عمله.
وإني لأحمد الله على ما عرف نفسي منافرة أن يقول الإنسان خلاف ما يعتقد ما لم يترتب على ذلك مفسدة عظمى، لأنه لا يصح ذلك إلا مع سقوط من العقل الذي هو معيار على ما تحته.
أكتب عن جازان وأمير جازان حتى وإن سكنت الرياض فأنا من جازان ولاء وعملاً، وحبي لها كحبي لقرية آبائي (المنسف) أو أشد حباً. ولولا أن ولي الأمر أخرجني منها عضواً في مجلس القضاء ما خرجت. وحبي لأميرها كحب يوسف ليعقوب وبغضي لمن يبغض جازان كبغض إخوة يوسف ليوسف وعليه: أشهد أن من ولاك أمر جازان يا حفيظ جازان قد أدى الأمانة ونصح للمنطقة وصدق في إسناد الأمر فيها إليك حق صدقه.
زاملتك عشر سنوات سمان. قدمت للمنطقة فيهن ما لم يقدمه مجنون لليلى لأنك ترى أنها ليلاك، لا ليل تغزل وحب. بل هي أحب عندك من هذه وذاك وفيك قيل:
وأتعب خلق الله من زاد همه
وقصر عما تشتهي النفس وجده
عجيب أنت يا أمير جازان وكلما عملته وتعمله عجيب، وفي الحديث ولم أقف على سنده أن بعض العقلاء سئل عن أسوأ الناس حالاً فقال: (من بعدت همته واتسعت معرفته وضاقت مقدرته).
قلت: وأسعد الناس حالاً: (من بعدت همته، واتسعت معرفته، ولم تضق مقدرته كأنت يا حفيظ جازان.
ولدت كبيراً، ونشأت كبيراً، وعملت في جازان كبيراً حتى قالوا:
نظم الأمير لها قلادة لؤلؤ
كفعاله وكلامه في المحفل
جعل الله عدلك قوام كل مائل، وقصد كل حائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصرة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف.
آويتني زمن العسرة، ووقفت معي في قصة الإفك، فدعوت لك في قيامي وركوعي وسجودي في حضري وسفري.
عملت في الرياض (قضاء الأحداث، فرئيسا للمستعجلة بالنيابة، ثم قضائي في المحكمة الكبرى وفي عدد من اللجان العالية) وأجمل أيامي عملي معك كرئيس لمحاكم جازان، ومع شيخي صالح اللحيدان كعضو في مجلس القضاء غير متفرغ، ومع أخي الشيخ صالح الحميد كعضو متفرغ بناء على الأمر الأخير.
كل شيء جميل فيك: حسن الإدارة في الإمارة وإعطاء القضاء والقضاة المنزلة والدرجة العالية الرفيعة، تحب العلم والعلماء حتى كنت فيهم ومنهم وحتى ألفتهم وألفوك.
كم أنت شجاع في اتخاذ القرار إذا ظهر لك الحق.
وكم أنت شجاع في رجوعك عنه إذا ظهر لك الحق في خلافه. وتلك سياسة عمر رضي الله عنه، جعلت من جازان بلد الفاكهة. بلد اللؤلؤ والمرجان، بلد الجوار العابرة والراسية في البحركالأعلام، نفذت إلى نهضة جازان بسلطان، بلد الجنان ذات الأفنان. أنشأت فيها مع فريق عملك أعظم جمعية إسكان. وجمعيات برحسان. ساهمت في المساجد وفي دعم جمعية القرآن.
نعم: جعلت من جازان بلد السياحة والراحة والمرابحة. جعلت من جازان بلد البحر العذب مع ملوحته. بلد الشوارع الفسيحة والحدائق المريحة. بلد المهرجانات والابتكارات. بلد الجبل السهل الممتنع، بلد الخير على يديك، الممتنع على غيرك. لا غرابة عليك، باشرت المكارم وتخلقت بها وأنت بعد ناشئ أمرد، وكذلك كان يفعل آباؤك، جعلت من جازان درة المملكة وكلها درة، جعلت منها محط الأنظار، وعبرة لمن تقاعست همته.
من زارها تفكر في خلق نهضتها وقال: ما خلق حفيظها هذه النهضة بالملأ فحق له أن يكرم وحق له أن يشكر.
في جازان وجوه مكرمة ناضرة إلى أميرها ناظرة، شباب متعلم وشابات متعلمات، أنشأت مع فريق عملك جامعة عطوف قطوفها دانية. زينت جازان بمصابيح وميادين حتى بدت وكأنها النجمة الزهراء في كبد السماء.
كيف لا تكون هكذا في نهضتها وأنت أميرها، مع يقظة أهلها الأوفياء الأخيار الأبرار، ساعدك في ذلك حسن الاختيار منك لوكلائك، أمثال د. مفرج الحقباني وزير العمل، وبعده: د. عبدالله بن سويد رئيس المجاهدين في المملكة، وبعدهما د. سعد بن مقرن الوكيل الحالي الذي يرجى في فترته أن تقوم المنطقة إلى نهضة أعم وأعظم.
ونجاح العمل يدل عليه حسن الاختيار للشريك في إدارته.
قرأت عن سرقسطة البلدة الجميلة المشهورة في الأندلس فهي تشبه جازان، لا جازان يشبهها.
جعلت جازان كفتاة جازان سرية النشأة، عالية المنصب، غليظة الحجاب، تخفي تحته أجمل خلق وخلق، لا فرق بين المدينة والمحافظة والمركز في اهتماماتك جعلت من الربض (أساس المدينة والبناء، أو ما حولهما من الخارج، أو ما يسمى الآن بالضاحية، جعلت من ذلك رياضاً رضية، ومنطقة تعليمية وصناعية نقية، فنادق كحيلة، ومناظر جميلة، فلا أقسم برب المشارق والمغارب ومنها مشرق جازان ومغربه أنك لجازان يا حفيظ جازان وأن جازان لك، يشهد لك الحجر والشجر والبحر والمطر بما صنعت. ومن اشتبه عليه شيء من ذلك، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
ومني:
شهادة صدق لم تكن بنت ساعة
ولا وريت حين ارتفاد زنادها
ومن المتنبي:
فمن ما له مال الكبير ونفسه
ومن ما له در الصغير ومهده
ومنه:
فيا أيها المنصور بالجد سعيه
ويا أيها المنصور بالسعي جده
وألقاك أيها الأمير عـلـى
أحسن حال وعافية
عضو مجلس القضاء - رئيس محكمة استئناف - رئيس محاكم منطقة جازان - سابقاً