د.عبدالعزيز الجار الله
لم يكن مقبولاً أن نتحدث عن هدر المياه من قبل المواطن باعتباره الطرف الأكثر هدراً ولا نتحدث عن هدر الشبكة وآليات عمل وتخطيط أنابيب التحلية، كما أنه ليس من المنطق أن نتحدث عن الهدر في مياه المنازل ونحن نرى مياه الأمطار المهدرة في الشوارع بلا استفادة تتبخر قبل أن تصل إلى الطبقات الجوفية، أيضاً ليس من المنطق أن نتحدث عن هدر المياه المحلاَّة وبالمقابل مياه السيول تكسر الجسور والطرقات وتجتاح المدن وتسبب فيضانات وكوارث في الأرواح والممتلكات، كذلك ليس من المعقول أن تحول أمانات وهيئات المدن ووزارة البلديات ووزارة المياه - تحول - المدن والمحافظات وتحول شوارعها وطرقاتها إلى غابات نخيل وكأننا في النطاق المداري والاستوائي أمطار طول العام، أو ننام على بحيرات من مياه جوفية لا تغور, أو كأن مدننا تقوم على شبكات من الأنهار الجارية التي لا تتوقف، حقول النخيل في الشوارع واخضرار الجريد والسعف، واخضرار أوراق الزينة غير المثمرة وسمك جذوعها يعطي دلائل أنها تقوم على نهر باطن تحت التربة لا نراه، ويوحي بحجم وكمية الهدر التي تتسبب به شبكة المياه وتسرّب مياه الصرف الصحي التي غمرت التربة الأرضية في الأحياء السكانية والشوارع.
إذن لم تكن رسالة ترشيد المياه مقنعة للمجتمع، كما أن وزارة المياه وشركة المياه لديهما أخطاء في إدارة المياه شعر معها المواطن أنه حمل جميع الأخطاء بدلاً من أن يكون هو ضمن دائرة من الشركاء في الهدر وفي الترشيد، فالمحاسبية لا تكون على المستهلك، بل تشمل أولاً مقدّم الخدمة الوزارة أو الشركة.
يجب أن نخرج من ثقافة عمل الأسهل، والأسهل هنا رفع التعرفة والرسوم أو تحميل المواطن والمقيم المسؤولية وبالتالي يتحمّل المواطن جميع التبعيات من رفع التعرفة والرسوم واللوم وأي أضرار.
أعتقد أننا تجاوزنا هذا النمط من الإدارة، وهذا الأسلوب من المعالجة، وهذه الطريقة من المحاسبية، لأن المجتمع تجاوز سن الرشد التي تتعامل به بعض الشركات الحكومية والخاصة، ليس في المياه فقط، بل بجميع الخدمات أو جل التعاملات، أسلوب الإدارة بطريقة الوصاية، فالمجتمع تجاوزها ولم يعد يقبلها، وبعض الشركات الخدمية وأيضاً بعض المسؤولين في الوزارات ما زالوا ممسكاً بفكر الوصاية المفرطة، بل يعتبرونها منهج العمل الناجح، لذا لا نجد صعوبة في الوصول والإشارة بوضوح لفشل إدارة بعض القطاعات والشركات الحكومية، فالمسؤول يأتي وهو محمل بإرث الوصاية الإدارية ليدير جيلاً تحرّر من فكر الأوحد وأن النجاح يتطلب الجماعية، ومن تعمل معهم ليس خصوماً، بل هم الشركاء.