خلَّد صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل - رحمه الله - ذكرى عطرة وسامية في الولاء والتفاني والعطاء قل أن توجد في تاريخ الشعوب العربية والإسلامية التي حمل لواء قضاياها مدافعاً عنها بحنكة وشجاعة متناهية على مدى أكثر من 40 عاماً قضاها وزيراً لخارجية المملكة، حيث توج مكانة عالمية للمملكة ليطلب إعفاءه من منصبه كأقدم دبلوماسي في العالم وعمره (75) عاماً بعدما حافظ وأرسى الكثير من القيم المهنية والإنسانية السامية، بينما تحامل على المرض طوال سنين عديدة.
وبرزت مقدرات الأمير سعود الفيصل (العالية) مع بداية حياته العملية عقب حصوله على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة برنستون بولاية نيوجيرزي بالولايات المتحدة عام 1964، حيث أظهر الأمير سعود الفيصل جدارة فائقة في الأداء والإخلاص لذلك تدرج سريعاً في حياته السياسية التي بدأها بالعمل مستشاراً اقتصادياً لوزارة البترول والثروة المعدنية حتى تعيينه وزيراً للخارجية، وهنا برز كواحد من أشهر وزراء الخارجية العرب نظراً لما يتمتع به من مهارات وعلم غذير، فضلاً عن إتقانه سبع لغات بجانب اللغة العربية، منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية والعبرية.
لا أعتقد أن هناك دبلوماسياً على مستوى العالم نال من الاحترام والتقدير والمكانة كسعود الفيصل، وما يدل على ذلك الألقاب التي ظلت تطلق عليه كـ (عراب الدبلوماسية، ومهندس السياسة الخارجية السعودية، وعميد الدبلوماسيين) وغيرها من الألقاب التي أراد البعض أن يعبر من خلالها عن مدى تفانيه ومكانته وكفاءته في هذا المضمار، خصوصاً أبان الملفات الساخنة كالقضية الفلسطينية التي بات مناصراً لها أمام المحافل الدولية، وحمله لهموم الإسلام والعرب في كل مكان، فكان المنقذ والحكيم وفقيه السياسة والدبلوماسية، وكانت كلماته هي الفصل في كثير من القضايا، مضحياً في سبيل ذلك بصحته، فكان - رحمه الله - رمزاً للأمانة والعمل.
وبلا شك أن تنظيم مؤتمر دولي لتكريم الأمير سعود الفيصل - رحمه الله - برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - يجسد اهتمام وحرص القيادة الرشيدة على ما توليه من وفاء تجاه أبناء الوطن المخلصين الذين قدموا عطاء متفرداً من أمثال سعود الفيصل الذي يعد رمزاً للوفاء والعطاء، ليس فقط في مجال الدبلوماسية فقد امتد عطاؤه ليشمل القطاع الخاص سواء برعاية فعالياته كما حدث في منتدى القطاع الخاص العربي الذي انعقد في العاصمة الرياض عام 2013م، أو من خلال التأكيد على دور القطاع الخاص السعودي في أعمال اللجان المشتركة، حيث أشاد في كثير من المناسبات بدور رجال الأعمال في دعم وتنمية العلاقات التجارية والاستثمارية بين المملكة ودول العالم الصديقة.
إن الحديث عن مسيرة الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- يطول ولا يمكن اختزالها في مقال أو صفحات، فمهما عددنا من مناقب فلن نوفيه حقه، فقد كان مثالاً يحتذى في السخاء والخلق والأدب والالتزام والتفاني في الوفاء بالمسؤولية في شتى القضايا مهما كانت تعقيداتها، ناهيك عما جسده من سياسة خارجية للمملكة داعية للسلام والعدل والحفاظ على حقوق الدول ومكتسباتها وتبني مختلف القضايا العربية والإسلامية العادلة والدفاع عنها.
وبالتالي فإن المملكة قيادة وشعباً فقدت رجلاً مخلصاً وغيوراً خلف وراءه بصمات بارزة وإرثاً شامخاً من العطاء غير المحدود، نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويشمله بفيض مغفرته وأن يجعل مثواه الجنة.
الدكتور عبد الرحمن الزامل - رئيس مجلس الغرف السعودية