في قانون «مور»، أعلن غوردون مور أنّ قوّة رقائق السليكون ستتضاعف كلّ 18 شهراً، ليتناقض ذلك مع إعلان أكثر اعتدالاً صدر عن بيتر دروكر بالكلام عن قانون إدارة الناس، حيث قال: «لن نولّد جيلاً جديداً من الرجال الخارقين. بل نضطر إلى إدارة مؤسساتنا بمساعدة أشخاص لا يختلفون عمّا هم عليه الآن».
وقد رصدا معاً الفرق الكامن بين التقدم التكنولوجي الذي تتعزّز وتيرته بأضعاف مضاعفة في بعض الحقبات، و»التقدّم» الذي نُقدم عليه في سياق عملنا على تغيير الطبيعة البشرية – وهو ليس تقدّماً على الإطلاق.
وبما أنّ طبيعة البشر لا تتغيّر، لا يطرأ أيّ تغيّر على فنّ وعلم أساسيّين يتمثّلان بإدارة البشر. ولا يعني ذلك أنّ المديرين اليوم يجب أن يتصرّفوا بالتمام كما فعلوا منذ مائة عام. فعندما تطرأ تغييرات على غايات العمل وإجراءاته والتكنولوجيات المستعمَلة فيه، يتوجّب علينا تعديل كيفيّة تولّينا للإدارة. بيد أنّ هذه التغييرات يجب أن تشمل تكتيكات الإدارة، وليس وظيفتها الأساسيّة.
ولطالما استندت الفعاليّة الإداريّة إلى التزام الإدارة بثلاث مهام اعتبرها دروكر محصورة بهذا المجال، وتشمل تركيز المؤسسة على هدفها المحدّد، وجعل العمل في آن منتجاً ومناسباً للبشر، وتولّي مسؤوليّة الأثر الذي تتركه المؤسسة في المجتمع.
من بعد تعداد المهام، إليكم العناصر التي تستوجب تصرّفاً:
- وجّه جميع جهود المؤسسة نحو جعل مَواطن القوّة منتجة ومواطن الضعف منعدمة الأهمّية. ولجهة المؤسسة، يعني ذلك أنّه لا بدّ أن تخضع للمساءلة بشأن أيّ إجراء ومجهود – يشمل الوقت أو المواهب أو الثروات – وبشأن النتائج التي لا بد أن تحقّقها لتبرير إنفاقها. أمّا لجهة الموظّفين، فيعني ذلك تحديد مكانة كلّ موظّف رهناً بمواطن قوّته، وإدارة العاملين في الشركة بطريقة تضمن تقبّل فرادة هويّة كلّ منهم.
- اسأل عن احتمال وجود غاية محددة من كلّ منتج وخدمة وبرنامج وسياسة في مؤسستك. واعلَم أنّه بِغَضّ النظر عن نوع المؤسسة، تكون الغاية دوماً اجتماعيّة، علماً بأنّ سبب وجود الشركات هو استقدام عملاء، وسبب وجود المؤسسات غير الحكوميّة هو تغيير حياة الناس، وسبب وجود الحكومات هو التعبير بفعالية عن «الإرادة والرؤية المشتركتين»، بحسب دروكر. وكذلك، أجرِ اختبارات دائمة في مؤسّستكَ، لترى مدى قدرتها على البقاء باعتماد هذا المعيار.
- احرص على عدم تحوّل المشاكل المؤسّسيّة إلى مشاكل اجتماعيّة. وابذل جهداً لتحويل المشاكل الاجتماعية إلى فرص مؤسّسية، واعرف أنّ بقاء المؤسّسات عموماً مرهون بعالم يتخطى نطاق جدرانها. وعندما تتفشّى مشاكل المؤسسة إلى العالم الخارجي، تكون المعاناة من نصيبها في جميع الحالات تقريباً.
عندما توقف الإدارة بحثها عن الحلول السحرية وتتولى مهامها الأساسية، ستتصدّى في النهاية لأسئلة عميقة، على نحو: «عندما تصبح مهمة المؤسسة بائدة، ماذا عسانا نفعل؟ مع بروز الذكاء الآلي، أين تكمن قيمة العمل البشري؟.
إنّ ما سبق يتخطّى نطاق الأسئلة التقليديّة حول الأرباح أو الإنتاجية.
والواقع أنّها أسئلة على صلة بالمجتمع والمبادئ ومعنى حياة البشر. ولهذا السبب بالتحديد، تدخل ضمن نطاق وظيفة الإدارة، التي تُعتَبر اجتماعيّة بجدارة.
(زكاري فيرست.. هو المدير التنفيذي لمعهد «دروكر» في «كليرموت غرادويت يونيفيرسيتي»).