إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة»:
التحول الوطني، ترشيد الإنفاق، برنامج 2020، والرؤية المستقبلية للمملكة، مصطلحات انتشرت خلال الفترة الأخيرة للتعبير عن أحد ملامح التحول الإستراتيجي التي يمر بها المجتمع والاقتصاد السعودي. البعض اختزل التحول في إطلاق موازنة غير معهودة بشعار ترشيد الإنفاق، مركزاً على ما طرأ من تغيرات على الإنفاق الحكومي في قطاعات التعليم والصحة ودعم الوقود والكهرباء والمياه، والبعض الآخر اختزل الأمر في مواجهة اضطرارية للتراجع في أسعار النفط العالمية، فيما يرى آخرون أن الأمر مجرد تسيير لسياسة اقتصادية مؤقتة، حتى تستقر أسعار النفط وتعود المملكة لسابق عهدها.
إلا أن الحديث والمستجدات تتوالى الآن لنكتشف أن هناك خطة متكاملة للتحول الوطني، جوهرها إحداث تحول وتعديل اقتصادي يتعلق بكافة الأسس الاقتصادية الوطنية، بما فيها أرامكو.. إذن، هي خطة إصلاح أو تجديد لواقع اقتصادي لم تتم مراجعته من عقود طويلة.
فمنذ اكتشاف النفط والطفرات الأولى، والاقتصاد الوطني يسير على منوال تلقائي كدولة نفطية، وكمورد وحيد وكإيرادات متمركزة في النفط وكإنفاق مدفوعاً بالدولة. الآن، يتنفس الاقتصاد الوطني هواءً جديداً، ويستهدف إدارة حديثة تتوافق مع المستجدات ومعطيات التحول في الاقتصاد العالمي، إنها خطة التحول الوطني الدائمة.
الخطة الخماسية للتحول الوطني
التحول الوطني، هو خطة خمسية بدأت في عام 2015 يديرها مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية الذي يترأسه ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وهي عبارة مجموعة من السياسات والأنظمة الاقتصادية التي تم التوافق عليها في عدد من ورش العمل التي جمعت وزراء مع شرائح متنوعة من المجتمع السعودي، ضمت مسؤولين وشيوخ ورجال أعمال واقتصاديين وإعلاميين وأكاديميين.
في انتظار المسودة النهائية للبرنامج
رغم أنه من المتوقع إقرار برنامج التحول الوطني خلال أيام مقبلة، فقد سرت تصريحات رسمية حول البرنامج تفيد بأنه برنامج لقياس أداء الأجهزة الحكومية من خلال ما يزيد عن 500 مؤشر لقياس الأداء، لنحو 17 نشاطاً وقطاعاً رئيساً، في مقدمها التعليم، الصحة، الإسكان، العدالة الاجتماعية، إضافة إلى البيئة العدلية، والخدمات البلدية، والبنى التحتية.
الجديد في البرنامج، أنه حدد عام 2020 موعداً لقياس أداء تنفيذ الخطط والبرامج المطروحة من المسؤولين في الأجهزة الحكومية.
الأهداف الإستراتيجية العشرة للتحول الوطني
يستهدف التحول إحراز الأهداف التالية:
1 - السماح للمرأة بالتجارة، والعزم على تسهيل الإجراءات بما يحقق تذليل العقبات التي تواجهها وتحفظ حقوقها.
2 - فرض ضرائب أعلى على استيراد السجائر ومواد التبغ.
3 - إيقاف الدعم الحكومي عن الكهرباء والماء لأصحاب الدخل العالي والتجّار وملاك القصور والمزارع، كما سيقتصر الدعم على ذوي الدخل المتوسط فما دون.
4 - حل أزمة الإسكان.
5 - إطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والتنموية.
6 - إزالة المعوقات الإجرائية والإدارية والمالية وتحفيز القطاع الخاص.
7 - تنويع الاقتصاد ورفع المحتوى المحلي.
8 - تحفيز الاستثمارات، ودعم الصادرات غير النفطية، وعولمة المنشآت المحلية ودعم الاقتصاد المعرفي والابتكار والإنتاجية.
9 - التوسع في الخصخصة.
10 - تطوير التعليم العام والعالي.
إدارة الموارد الحكومية
برنامج التحول الجديد، يستهدف إحداث فصل بين الإيرادات الحكومية والإنفاق الحكومي، فلطالما كان الإنفاق يزداد مع زيادة الإيرادات، أو لنقل يزداد الإنفاق الحكومي مع زيادة الأسعار العالمية للنفط، وهو الأمر اللامنطقي. لذلك، فقد أطلقت الحكومة برنامج ترشيد الإنفاق بالتزامن مع إطلاقها للموازنة الجديدة لعام 2016م، وهو برنامج تعتزم الدولة الاستمرار فيه ليس مع تراجع أسعار النفط، ولكنها ترغب في تنفيذه بصرف النظر عن الأسعار العالمية للنفط، لأن الأوان قد آن ليتم إقرار حزم دعم ورعاية حقيقية لمستحقيها، وليس الإفراط في تقديم الدعم على وجه العموم.
وبالفعل، بدأت الحكومة في مراجعة أسعار الكهرباء والبنزين والمياه وغيرها، وكل هذه المراجعات تستهدف ضمن إدارة أعلى كفاءة للموارد الحكومية بصرف النظر عن أسعار النفط، حتى رغم معرفتنا أن مخاوف الهبوط في أسعار النفط قد تراجعت الآن عنها منذ 4 أشهر.
الخصخصة وتحفيز القطاع الخاص
في الماضي، كان الحديث عن التنويع الاقتصادي بصرف النظر عمن يدير هذا التنويع، وحتى الحديث عن القطاع الخاص كان يتم في خضم توطين للقطاع الحكومي أكثر فأكثر. الآن، تطرح الحكومة برنامجاً واضحاً للخصخصة يحدد القطاعات والفترات الزمنية، بل ويضع رؤية واضحة للحصص المطروحة وسقف ملكيات الدولة.. إنها إطلاقة للخصخصة على النحو الذي يخدم كفاءة تقديم الخدمات من ناحية، ويرفع عن كاهل الدولة إدارة قطاعات تحتاج للمنافسة والأداء الأعلى من ناحية أخرى.
وقد تم الإعلان عن 18 قطاعاً مستهدفاً بالخصخصة على رأسها قطاع المطارات من قطاعات التموين والخدمات الأرضية إلى قطاع الشحن، فضلاً عن خصخصة المؤسسة العامة للتحلية وبعض قطاعات المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق، يليها مؤسسة البريد السعودي، فضلا عن الأندية الرياضية وأيضاً أرامكو السعودية، ويبدو في الأفق خصخصات جزئية لبعض قطاعات الصحة والتعليم والاتصالات والكهرباء.
أرامكو السعودية.. بداية انطلاقة التحول الوطني.. شركة للكتل الصناعية
أرامكو شركة الزيت السعودية، ليست شركة محلية ولكنها آفاق لشركة كوكبية تتكامل بداخلها مجالات التنقيب والاستخراج والإنتاج والتكرير والتوزيع والشحن، وتسويق النفط والمواد الكيميائية، وكذلك اكتشاف وتطوير وتصدير احتياطيات النفط والغاز الطبيعي لجميع أنحاء العالم.. وهي تدير أكبر احتياطي مؤكد من النفط الخام يزيد عن 260 مليار برميل، ويصل متوسط إنتاجها اليومي من النفط الخام إلى ما يناهز 10.0 ملايين برميل.
وتشير كثير من التقارير الدولية إلى أنها تعتبر المؤثر الرئيس والأقوى على الأسعار العالمية للنفط من خلال تحريكها لمتوسط إنتاجها اليومي.. أسئلة وحوارات كثيرة دارت حول خصخصة أرامكو وسبيل تحقيق ذلك، فأرامكو تنتج 10 ملايين برميل يومياً يعني إيراداتها يومياً بسعر 50 دولاراً للبرميل حوالي 500 مليون ريال، وتصل هذه الإيرادات سنوياً من النفط الخام فقط حوالي 183 مليار دولار أي ما يعادل 684 مليار ريال فقط بسعر 50 دولاراً للبرميل.
ناهيك عن إمكانيات بشرية بنحو 61 ألف موظف من خيرة الكوادر والخبرات، فضلاً عن 94 طائرة ومروحية، إضافة إلى أصول وتقنيات ومعدات بآلاف المليارات من الدولارات.
الآن تفتح الشركة آفاق سوق الكتل الصناعية لكي تصبح من رواد صناعات الكيماويات وليس استخراج للنفط الخام فقط، كل ذلك في طريق النفط بعيداً عن الغاز الطبيعي.. أحد تقارير فاينانشال تايمز في 2010م تحدث عن قيمة سوقية بحوالي 7 تريليونات دولار لأرامكو في عام 2010م، والذي من المتوقع أن يكون قد تطور بنحو 5 % سنوياً (على أقل تقدير) ليصل إلى حوالي 9 تريليونات دولار في عام 2016م (تقديرات وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بالجزيرة)..
الجديد الآن، ليس الإعلان عن خصخصة شركة أرامكو، ولكن التصريح بتحولها إلى شركة للطاقة والكتل الصناعية يعني توسعها أفقياً في قطاع الصناعات الكيميائية، ولطالما كانت الشركة معنية بالتنقيب والاستخراج، الآن دور ريادي جديد في التصنيع الكيمائي.
وإذا شئنا تحدثنا عن أكبر تأثير محتمل في تاريخ سوق الأسهم السعودي، يتوقع أن يحدث مع طرح وإدراج أرامكو.. كم ستكون قيمة رسملة السوق بعد إدراج السهم؟.. وما هو تأثيره؟.. وكيف سيقود السوق؟.. وهل فعلاً نوشك أن ينتهي عهد سابك.. لندخل في عهد أرامكو؟.. كلها تساؤلات ستفصح عنها الأيام المقبلة.