جاكرتا - عوض القحطاني - وهيب الوهيبي:
بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز رئيس مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية رعى نائب رئيس جمهورية إندونيسيا الحاج محمد يوسف كلا، أمس الخميس الحفل الختامي لمسابقة الأمير سلطان بن عبدالعزيز السنوية لحفظ القرآن الكريم والسنّة النبوية بجاكرتا على مستوى دول آسيان والباسفيك ودول آسيا الوسطى والشرقية.
وقد بدئ الحفل بالقرآن الكريم ثم ألقى وزير الشؤون الدينية الإندونيسي لقمان حكيم سيف الدين خلال الحفل الختامي المعد بهذه المناسبة، كلمة رحب فيها بنائب رئيس الجمهورية الإندونيسية, وبسمو الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز والحضور.
وأوضح أن هذه المسابقة أصبحت عملاً سنوياً مشتركاً بين الملحق الديني بسفارة المملكة ووزارة الشؤون الدينية الإندونيسية، مؤكداً أنها ثقة وتقدير وصداقة لا تقاس بالقيمة فهذا الحدث الديني له معنى كبير لآسيا ودول الباسفيك كقلب سلام عالمي لاستقرارها.
وأكد أن حضور الأمير سلطان بن عبدالعزيز كضيف شرف للمسابقة، ميزة لنا، مبينا أن الهدف من المسابقة هو منح التشجيع للمجتمع الآسيوي والباسيفيك لحفظ القرآن الكريم والحديث النبوي وتقوية العلاقات بين شباب المسلمين وحثهم على القرآن والحديث كمصدرين للإسلام علميا وعمليا، كما تهدف كذلك لتدعيم القرآن وتطبيق قيمة والتأسي بالأخلاق القرآنية والحفاظ وحماية العقيدة الصحيحة بعيدا عن الفهم الخاطئ المنحرف، وكوسيلة لتوطيد العلاقات والوحدة بين الشعوب والدول وكذلك أواصر الصداقة بين تلك الدول.
وبيّن أن مجموع المشاركين في المسابقة 216 منهم 150 مشاركاً من 25 دولة و24 مرافقا، وقد أقيمت المسابقة في مسجد الاستقلال بجاكرتا، لافتا إلى أن أعداد المشاركين يزداد من سنة لأخرى، وهذا يدل على نجاح المسابقة وكذلك نجاح العلاقات بين الدول.
وقدم وزير الشؤون الدينية، الشكر لحكومة المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، على التعاون البناء، متمنيا أن يستمر هذا التعاون مستقبلا وأكثر تعزيزا في المجالات الأخرى بين البلدين، آملا أن تكون هذه المسابقة داعية لتدعيم تعليم القرآن والحديث في آسيا والباسفيك وأن تدعم الشباب في هذه المنطقة ليس حفظا فقط وإنما للتعليم الأعمق والأشمل لمعانيها وتطبيقها ومن أجل تحقيق الحق والعدل والسلام العالمي.
بعد ذلك ألقى صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز كلمة نوه فيها بعمق العلاقات بين المملكة وإندونيسيا بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو نائبيه في المجالات كافة، خاصة في مجال الدعوة إلى الإسلام الوسطي الصحيح والتعاون على البر والتقوى والبعد عن أسباب الانحراف الفكري والسلوكي.
وقال سموه: تحية واجبة لجمهورية إندونيسيا لما توليه من عناية واهتمام بقضايا أمتها الإسلامية فلم تثنها خططها واستراتيجياتها في النمو والتنمية.. دولة تستحق أن تتخذ نموذجا يحتذى لدول العلم الإسلامي وليت الدول الإسلامية تنفذه لتعلم شعوبها كيف أن الله خلق الناس شعوبا وقبائل للتعارف وليس لتتعارك، لتعيش معا في أمن وأمان وليس في خوف أو ترويع، في بناء وتنمية وليس في تخريب ودمار.
وقال: إن الأحداث حولنا تجبر كل متحدث ألا يغفل عما آلت إليه أحوال دول العالم التي لم تنج من آثار التطرف في الفكر والإرهاب في الفعل إرهاب لم نعهده بالفعل سواء في أساليبه ووسائله أو طبيعة أتباعه والأخطر منهم المتعاطفون معهم المملون لجرائمهم المؤيدون لهم جهرة والمدافعون عنهم خلسة وخسة فضلا عن تقنية أدواته وتقدم أسلحته إرهاب استطال وتمدد فشمل إرهاب أفراد وإرهاب جماعات إرهاب مؤسسات وإرهاب دولة لا يكاد يسلم منه مجتمع حديث أو تقليدي متقدم أو نامٍ إرهاب تداخلت فيه مصالح دول استغلت وجود تلك الجماعات وإرهابها لتصفية حسابات وتأكيد وجود وإرغام على السير في فلكها وطالما أن المجتمع الدولي ليس على قلب رجل واحد فلن تنجو دولة أو مجتمع من شرور التطرف وآثام الإرهاب الذي بات الآن يدور في حلقة مفرغة من الفعل ورد الفعل حركة تزداد شراسة وعدوانية تعادي الإنسانية والفكر والعقلانية وأسهل طريق أمام الدول الغربية أن تصيغ بصبغة إسلامية وتنحت مصطلحا جديدا هو الإسلام فوبيا، وتخلق عدواً جديداً لها هو الإسلام والمسلمون، حتى إن كان هؤلاء قد تربوا في أحضانها وترعرعوا على أرضها وعاشوا في ظل نظمها. وأضاف سموه: وهنا نتساءل أين الخلل؟ هل هو في تفكك الدول من الداخل وانقسام شعوبها على أنفسها الإجابة في الإحصاءات نفسها فكم دول إسلامية أو عربية ابتليت بداء التطرف والإرهاب وكم دول منها قسمت أو مهددة بالتقسيم وكم دول تعاني الحروب الأهلية وكم عدد الشعوب التي دمرت دولها وهدمت كيانها وكم شهيد وقتيل ومصاب وجريح وأرملة ويتيم ضحية لها هم كثر فاقت أعدادهم كل تصور.
هل الخلل في تخلف الدول الإسلامية وضعفها حتى غدت المطية الزلول لكل من يستعرض قوته ولماذا يفضل أناس داخل دولهم فيسعون ويهربون منها معرضين أنفسهم لكل أنواع الدنية والإذلال والمهانة والهلاك للحصول على موضع قدم في الدول الغربية لاجئين ضعفاء أذلاء ثم إذا هم يعملون ويجسدون ينتجون ويبدعون يلتزمون وينضبطون وعندها نتعجب من حالهم كيف يهدمون في الداخل ويدمرون ويبنون في الخارج ويعمرون يضعفون أنفسهم ويزيدون دولهم فقراً ويقوون أعداءهم ويزيدونهم رخاء.
هل الخلل في كل فرقة أو طائفة أو جماعة تتشدق باتباعها الدين وتستشهد بآيات وأحاديث وتعد نفسها هي الفئة الوحيدة الناجية وهي المحتكرة صحيح الدين بينما كل فئة منهم تصم الآذان ولا تسمح أو تحتمل الحوار وإذا وجدت أصوات عاقلة كان حديثهم بينهم بعضاً لبعض فلا يسمع من ينبغي أن يسمع ولا يستجيب من ينبغي أن يعلم يستجدون المجتمع الدولي لحل مشاكلهم وكأن هذا المجتمع ليس لديه مشاكله الخاصة وليس أمامه أي تحديات أو عوائق مستعصية.
هل الخلل في عدم تجديد الخطاب الديني وتنقية كتب التراث وهي التي يعدها الإرهاب الدوافع لأفعاله والمبررات لشروره ولماذا لا تكون أولى خطوات العلاج هي إدراك أهمية فقه الأولويات في ديننا الحنيف بوضع كل شيء في مرتبته بالعدل من الأحكام والقيم والأعمال.
وإذا تحدثنا عن تجديد الخطاب الديني فإننا نتساءل هل صدر تصريح رسمي أن كتب التراث مع كامل التقدير والاحترام لمؤلفيها ومعديها وجامعيها تحفل بإسرائيليات عديدة وتحتوي على خرافات وأساطير فضلاً عن أحاديث ضعيفة وموضوعة وهل ذكر تنبيه يشير إلى خطرها وضرورة تنقية التراث منها خاصة ما يرفضه العقل والمنطق حتى تغلق أبواب الطعن في وجوه المتربصين بديننا وقرآننا وسيرة نبينا لقد أضلت الإسرائيليات كثيراً في فهم النص القرآني حتى صار حجر عثر في معرفة التفسير القويم وفتحت أبوابا من الشر لا قبل لها بها في زمن التواصل الاجتماعي والتغريدات التي تنتشر انتشار النار في الهشيم.
وهل تم تناول المعنى الحقيقي لوسطية الإسلام قولاً وفعلاً وعملاً دؤوباً تجديداً للخطاب الديني وتوضيحاً لسماحة أحكامه وتوافقه مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها بلا تشدد ولا تفريط واعتمادها على اليسر والسهولة ورفع الحرج أمة وسطا في التصور والاعتقاد لا تغلو في التجرد الروحي ولا التجرد المادي، وسطية بين مطالب النفس الدنيوية الأرضية ومطالبتها الأخروية السماوية، وسطية في قضايا الإيمان والأخلاق والعادات، وسطية في النظام الاقتصادي والمالي، وسطية في نظم الحكم والإدارة، وسطية في الدعوة إلى الله، فهل يعلم الغرب تلك الوسطيات لتعرف شعوبه حقيقة الدين الذي يحاربون ومنها يتخوفون.
لقد حاول المسلمون بشتى الطرق والوسائل إبعاد كل شبهة تربط الجماعات الإرهابية بالإسلام والمسلمين، وتأكيد أنها نبتة شيطانية شوهت صورة الإسلام الحنيف باقترافها أبشع الجرائم ولكن الدول الغربية التي عانت الضرر والتدمير والقتل والترويع على يد هذه الجماعات لا تصدق ولا تريد أن تصدق وتصم الآذان عن كل ما ينصف الإسلام ويبين حقيقته وينصتون إلى كل ما يسيء إليه ويشجعونه.
هل يعد من المسلمين من قدم الإسلام للناس وكأنه جاء ذابحاً أو مفجراً أو مدمراً للعالمين وكأن الرسول لم يبعث رحمة للعالمين؟ هل من فجروا مساجد الأنبياء ونبشوا قبورهم ولم يراعوا حرمة الدماء التي عظمت في الإسلام إلى مرتبة من الإثم لم يبلغها سوى الشرك بالله وعقوق الوالدين إذ يقول المولى عز وجل (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً).
ويقول الرسول: لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق. ويقول: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة.
هل يعد هؤلاء مسلمين وهل يؤخذ بجريرة أفعالهم كل المسلمين، فلا الدين ولا الإنسانية ولا الأخلاق ولا القيم ولا الأعراف ولا المواثيق ولا القوانين ولا الشرائع؛ سماوية كانت أم وضعية، تبيح قتل النفس أو إزهاقها أو الاعتداء عليها أو ترويعها.
وقال: إن التحدي الأكبر أمام علماء المسلمين الأفاضل والهيئات الإسلامية التعليمية والتربوية والاجتماعية والدينية هو كيف تغرس الثقافات الغائبة في وعي الدول الإسلامية وكيف ترسخ في شبابها وتلكم أولى الخطوات لمحاربة التطرف فكراً والإرهاب فعلاً.
إن كل ما استعرضته أمامكم ومعكم من هموم ومسؤوليات وصعاب وتحديات يقودنا إلى السبيل الممكن لتطوير فعاليات مسابقتنا هذه وتحقيق أهدافها ليصبح المتسابقون دعاة قدوة في الفكر ونموذجاً في السلوك، نريد أن تكون مسابقتنا حية تتطور وتواكب الأحداث في عدم جمود أو بتكرار نسق واحد لا يتغير، ولتكون أنموذجا لغيرها من المسابقات وفي سبيل ذلك نقترح.
أولا: تحديد الثقافات التي يفتقر إليها الكثير من المسلمين ونضمها ضمن شروط المسابقة تدريجياً ونطلب من المتسابقين الاستشهاد على كل ثقافة بالآيات الواردة في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة في السنة الشريفة حفظاً وتحليلاً شرحاً وتوضيحاً، ومن هذه الثقافات نختار على سبيل المثال وليس الحصر ثقافة العمل والإنتاج والإبداع وثقافة وسطية الإسلام.
وثقافة الاختلاف وقبول الحوار وثقافة التوعية بصحيح الدين وحق الوطن وثقافة حرية العقيدة وثقافة العدل والاعتدال وثقافة الحرمة.
ثانياً: لماذا لا نجعل المتسابقين جزءاً أصيلاً وشركاء فاعلين لتنقية كتب التراث وكشف زيف الإرهابيين فيما يسوقونه لماذا لا نطلب من المتسابقين حفظ عدد من الأحاديث والمرويات وكشف ما فيها من أسباب ضعفها ووضعها ثم الرد عليها بما ورد في القرآن من الآيات المحكمة وفي السنة من الأحاديث الصحيحة ألا يعد ذلك تحصيناً لهم وإشعاعاً لمن حولهم.
ثالثاً: ألا يمكن أن نطلب من المتسابقين استخراج الإسرائيليات من كتب التفسير وحصرها ومقارنة ما يتعارض منها مع الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة فيصبح المتسابق مشعلاً ينير الطريق لمن حوله يعلمه وخلقه وفهمه وتدبره.
هذه اقتراحات ثلاثة أضعها تحت أنظار القائمين على شؤون المسابقة وتقديراتهم علها ترى النور في عامنا المقبل.
وألقى فخامة دولة نائب رئيس الجمهورية الحاج محمد يوسف كلا كلمة، رحب فيها بسمو الأمير خالد بن سلطان والوفد المرافق له ولجنة التحكيم والمشاركين في المسابقة.
وقال إن منحت إندونيسيا الفخر والاعتزاز أن تعقد على أراضيها سبع مرات متتالية لدول آسيا حتى أصبح الشباب يتلون القرآن الكريم بشكل عظيم، وهذه مجهودات ليست بغريبة على قادة المملكة الذين يحرصون على وحدة المسلمين ونشر الإسلام بالمفهوم الصحيح.
وبيّن فخامته أنه يوجد في إندونيسيا ما يقارب 800 مسجد بناها المجتمع بالإضافة إلى 30000 ألف معهد، وخمسين جامعة، تعمل على تدريس الإسلام، وهذه العوامل منحتنا خلفية جيدة كيف نطبق الإسلام ونتعاون مع الدول الإسلامية في نشر الدين ونحن في بلدنا نحترم العادات والفروق في الديانات وهذه الأمور تجعلنا متحدين ومتحابين لا مختلفين.. والخلافات هي رحمة وليست نزاعا، وهذا من فضل الله علينا أن نعلم أبناءنا ديننا وأن تكرس جهودنا لحفظ القرآن الكريم الذي هو هدايتنا فيه هذه الحياة، ونطبق القيم الإسلامية لأن هناك آيات قرآنية تدعونا إلى الوحدة ونبذ العنف والتطرف
وأضاف: إن ما يحصل في عالمنا الإسلامي اليوم شيء مخيف جراء النزاعات والفتن.. وكما هو معلوم كانت هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة إلى البلدان لنشر الدين، أما اليوم فنشاهد المسلمين من ديارهم من الخوف والقتل والذل ونحن نبكي اليوم على هؤلاء الذين لقوا مصرعهم في البحار وكل هذا مخالف للإسلام.
وأكد ضرورة وحدة كلمة المسلمين حتى تتخلص من الفتن والمآسي التي تعيشها بعض الدول والرجوع إلى البناء والتنمية، خاصة أن هذه الدول تمتلك ثروات مهمة ونعمل معا من أجل نصرة الإسلام والمسلمين.
حضر الحفل الشيخ سعد الشثري المستشار في الديوان الملكي، ومصطفى المبارك سفير خادم الحرمين في جاكرتا، وصالح الخليفي مدير عام مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية وعدد من المسؤولين.