الأحساء - خاص بـ«الجزيرة»:
الدكتورة هدى بنت دليجان الدليجان حاصلة على درجة الأستاذية في التفسير وعلوم القرآن الكريم، ولدت على ثرى هذه البلاد المباركة، ونشأت بين خيراتها، ودرجت في فصول مدارسها، ونهلت من قاعات ومكتبات جامعاتها، ومارست التعليم الجامعي منذ أكثر من عشرين سنة في جامعة الملك فيصل بالأحساء، وعملت مستشارة في عدد من القطاعات الحكومية والجهات العلمية والخيرية.
لدى د. هدى الدليجان رؤية لازالت تتشبث بها نبراساً لطريقها في هذه الحياة وهي: السلام.
بما تتضمنه من دعوة لنشر السلام.. ليحيط بك السلام، ولتنعم بداره في نفسك أولا وفي بيتك وفي مجتمعك، وذلك باعتبار الدين سلاما وربنا السلام وأرسل رسول السلام بدين الإسلام ليعم العالمين بالسلام وتحيته السلام وجناته دار السلام، والسلام حقيقة هذا الدين.. وإستراتيجية منهجه الوضاء.. وخارطته الكبرى في طريق الحياة لبلوغ الوعد الجميل في نشر السلام والتبشير به.
وتقول د. هدى الدليجان: كامرأة سعودية أرى نفسي في قلب هذا الوطن العزيز، وعضواً فاعلاً في مجتمعي. فالمرأة السعودية هي محل القدوة للنساء في غالب المجتمعات المسلمة، وهي محط الأنظار العالمية، وما الحملات الإعلامية سواء الهادفة أو المستهدفة لمسائل المرأة السعودية إلا عينة إعلامية على أهمية المرأة السعودية في خارطة الفكر والثقافة العالمية.
«الجزيرة» حاورت الدكتورة هدى الدليجان في قضايا معاصرة، وفيما يلي نصّ الحوار:
انتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة تطرف الأبناء ولجوئهم لاستخدام العنف للتعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم.. بماذا تعللين هذه الظاهرة؟
- أسأل الله تعالى ألا تكون ظاهرة، وإنما هي تصرفات محدودة من بعض الجهال باسم الدين كلباس يتوارون من ورائه، لتغطية عجز أو دفع وهم، أو متاجرة بفكر، وهذا خطر يحدق بالنفس الحرة الكريمة وعلى تراب هذا الوطن الغالي، الذي هو شامة بين الأوطان بحمد الله.
وهذه التصرفات هي تشويه لهذا الدين مهما ألبسوها من المماحكات والخصومات، ولو حاورت أحد الأدعياء من هؤلاء لوجدته لا يملك أثارة من علم ولا مسكة من عقل.
وللأسف إنما هم بذور فاسدة زرعت في بيئة صالحة وطيبة فنبتت شوكاً فيجب أن يقتلع هذا الشوك المؤذي من جذوره، لتعود الحديقة نضرة غناء.
فبعض العقول يستخفها الشعارات الرنانة وخاصة مع صغر السن وغلبة الجهل فاندرجوا تحت المكر الكبار الذي تعمل عليه أياد خفية في الليل والنهار ليستجمعوا قواهم لزلزلة ثوابت هذا الوطن وأركانه الراسخة بحمد الله.
فانتشرت بعض الأفكار المنحرفة في فئة قليلة، وهي ليس لها أصل لا من الكتاب المجيد ولا السنة المطهرة ولا من منهج العلماء الأثبات، فتلقفته عقول فاسدة وهمم متشيطنة فسفكوا دماء الأحباب والأقارب والإخوان والأعمام، لا يرعون في ذلك إلا ولا ذمة، وإنما هو الهوى الفاسد والفكر المنحرف والسلوك العدواني الإجرامي.
ومما يحزنني أكثر هو أن يتهم المجتمع السعودي كله في تعليمه وعلومه ورموزه الخالدة، و أن يكون هذا الشعب الكريم محلا للتناوش في سبب نشوء هذا الفكر الضال، الذي هو إجرام كله وعدوان كله وتمرد على الحق وأهله.
في رأيك..كيف نجفف منابع العنف والطائفية والمذهبية في المجتمعات الاسلامية؟
- عادة يبدأ العلاج بخطوة.. أي مجتمع ينمو لابد من شذرات تنمو على جانبيه، فالفلاح الماهر يقوم بتشذيب ما ينمو بمهارة ودقة عالية لكيلا يفسد عليه الطريق.
فالواجب هو زيادة الوعي وتوجيه الفكر للمنبع الأصيل من الكتاب والسنة، وتحرير الحلقات العلمية والدروس النوعية والمحاضرات التثقيفية للمجتمع بكل أطيافه، فمن يسمع في النور ليس كمن يسمع في الغرف المظلمة والمحادثات المشبوهة.
فنحن في زمن سريع ومتغير وتنتشر فيه الأفكار كالهواء، فلابد من استخدام التقنية المنضبطة في وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى شرائح المجتمع المتنوعة، والتغلغل في يومياتهم وساعاتهم وأفكارهم وعقولهم لإزالة كل ما قد ينمو يمينا أو يساراً.
ثم بعد ذلك فتح قنوات الحوار مع جميع الفئات في الأسرة والمساجد والمدارس والجامعات والمجالس والقنوات الإعلامية.
وأرى قيادتنا الرشيدة برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين وولي عهده حفظهم الله ورعاهم لا يألون جهداً في دعم المرأة السعودية ومعالجة ما يعترض طريق الخير والنماء.
فمن الواجب على النخبة في هذا الوطن التكاتف لرسم رؤية وطنية شاملة، تعبر عن مستقبل هذا الوطن العزيز، ليندرج أبناؤه وبناته في ظلاله، والعمل لتكون رايته خفاقة ليلا ونهارا.
وهذا يحتاج جهداً مؤسسياً عالياً من العلماء وطلبة العلم الثقات والمثقفين والإعلاميين وغيرهم من الرجال والنساء، ليكون عملاً تراكميا وشموليا، للقضاء التام وليس للتجفيف على أي فكر دخيل أو مقولة منحرفة.
بماذا تفسرين تشدد بعض الشباب في الدين والغلو في الأحكام التي يسر الله فيها على المسلمين؟
- النفس الإنسانية فيها نزعتان أما إلى إفراط أو تفريط.
وقد جاء في صحيح البخاري حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الثلاثة نفر من شباب الصحابة الذين أتوا بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم- وسألوا عن عبادته فكأنما تقالوها لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم!!
فقال أحدهم أما أنا فأصوم ولا أفطر.
وقال الثاني: أما أنا فلا أتزوج النساء.
وقال الأخير: أما أنا فأقوم ولا أرقد.!!
ماذا فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما علم خبرهم؟
قام صلى الله عليه وسلم على المنبر خطيباً ونادى بلال رضي الله عنه في الناس: الصلاة جامعة.
فاهتزت أرجاء المدينة بالخبر وتوافد الناس خوفا من قدوم عدو أو مباغتة جيش، ولم يدر بخلدهم بتاتا تلك القضية التي توافق عليها أولئك الثلاثة من الشباب.
فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر فحمد الله وأثنى عليه حتى ذكر تلك القصة من الثلاثة الشباب باندفاعهم بما قالوا، وليس بأسمائهم، فالغرض التصحيح وليس التشنيع.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «هلك المتنطعون.. هلك المتنطعون» أخرجه مسلم.
فالغلو والتنطع هو زيادة غير مقبولة في الدين، بل تجر لويلات عظيمة إذا لم يتداركها العقلاء من العلماء الربانيين والمربين الوطنيين كل في مجاله.
فلا بد من تكامل الأدوار الوظيفية بين البيت الهادئ والمدرسة الجامعة والمسجد الثري، الذي تبنى فيه الأرواح الزكية، لتنهل من العلوم الربانية فتكون أثرا جميلا في الحياة.
ولا تترك أي فرصة سائغة لأي فكر ليمتص دماء أبنائنا، ويستولي على عقولهم وفكرهم.
فغياب الوعي هو نتيجة لإفراط أو تفريط.
من أجل هذا كان لزاما على كل محب لهذا الوطن أن يغلق أبواب الغلو والتطرف ويفتح نوافذ الحوار والحكمة والدعوة إلى الله بالحسنى.
) هل ترين أهمية وجود داعيات كفوءات في الساحة النسائية؟
- فعلاً، لا بد من وجود داعيات كفوءات وبمراتب عالية علمياً ووظيفياً في المجتمع السعودي. ولا بد من وجود إدارات نوعية لمعالجة الفجوة الكبيرة في تأخر هذا القرار الحكيم.
يجب أن يصل صوت المرأة بعد أن حصلت المرأة السعودية بحمد الله على الدرجات العلمية العليا وتولت قيادة المراكز الثقافية والإدارات العلمية، فإلى متى يكون نشاطها العلمي محصوراً في دروس متفرقة أو محاضرات هنا وهناك.
لا بد من إعداد خطة إستراتيجية، تتسم بالشمولية لكل الفئات العمرية وبطريقة جاذبة لحماية بناتنا وتوجيه نسائنا، أياً كان موقعهن الجغرافي في خارطة الوطن الغالي، ومرتبتها العلمية وتخصصها الوظيفي ليكن داعيات إلى الحق ومربيات نافعات.
فالمجتمع السعودي يواجه تحديات كثيرة وإذا لم تؤسس المرأة السعودية كعضو فاعل في هذا البناء فسينتشر هواء خانق من تردي القيم واضطراب البوصلة وهذا أخطر ما يواجهه مجتمع أياً كانت قوة التحصين والمناعة فيه.
وأرى من الأهمية بمكان استثمار أعداد من المتفوقات وطالبات العلم خريجات الكليات الشرعية وأقسام الدراسات الإسلامية المتميزات ليكن نواة لمشروع داعيات المستقبل ضمن خطة شاملة ومهنية نوعية بإشراف جهة علمية متميزة.
ينادي بعضهم بضرورة وضع برامج للتحصين ومكارم الأخلاق في المجتمع لحمايته من الانحرافات والانزلاقات الفكرية.. ما رؤيتكم في ذلك؟
- مشروع التحصين والممانعة الأخلاقية والمقاومة الفكرية هو مشروع أمة. وما من أمة من الأمم إلا كان سياجها الثقافي أهم من التطور الحضاري لذا تتعاهده بالإصلاح والتحسين لكيلا تخترق ثوابتها الثقافية ومسلماتها الفكرية أي دخيل من سهام عدو أو هوى نفس.
وقد دأبت بعض الجهات العلمية الاهتمام بالجانب القيمي الأخلاقي، لكن لا يزال نسب الدراسات المسحية والتطبيقية قليلة جداً، وما يتعلق بالقيم الأخلاقية بالنسبة للمرأة السعودية يكاد يكون مهملاً جداً إلا من نواح تربوية أو مهارات معينة.
فأرى إننا بأمس الحاجة لمشاريع علمية ترعاها جهات عليا لقياس مدى الالتزام الأخلاقي في المجتمع السعودي وضوابطه ومنافعه وآثاره والتحديات التي تؤثر فيه.
ولعل الله الكريم يقيض لهذا المشروع الأخلاقي فيكون قريباً.!
هل تعتقدين أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في وجود ظواهر سيئة في المجتمعات النسائية..وما السبيل للمعالجة؟
- وسائل التواصل الاجتماعي بكل تطبيقاتها وإشعاراتها وأصواتها وصورها سلاح ذو حدين، فقد ملأت فراغاً كبيراً من الحاجة النفسية للتواصل مع الآخرين ومعرفة أخبار البعيد والقريب والجار والصديق والأرحام، وهيأت الطريق لاستثمار تقني علمي أصيل فانتشرت الرسائل العلمية والمجموعات الوعظية والمقاطع المرئية، وفي ذلك خير عظيم.
وفي المقابل كشفت عن مكامن الأفكار وسهولة الشائعات وسريان التغريدات والإحاطة بسهولة بكل ما يدور حولك. وهذا فيه ما هو نافع لتطوير المهارات وتجديد الخبرات وسهولة الاتصالات، وفيه ما هو ضار جداً قد لا يظهر أثره ولا يجلو خبره، وهو ما قد يسوء المجتمع ويكدر عليه صفوه وينهش في فكره وقيمه.
فالتحدي كبير مع التقنية ولابد من رسم رؤية موحدة إما أن نكون أو لا نكون!!