على كرسي معدني قعد ينتظر دوره لاستلام الأدوية من الصيدلية، أريد العودة إلى بيتي فلدي عمل كثير، فالثلاجة معطلة وجميع الأطعمة التي بها معرضة للتلف. تباً لمواعيد المستشفيات تستهلك الوقت والجهد. انتظار في ازدحام الشوارع لأذهب إلى المستشفي ثم انتظار استخراج الملف ثم انتظار الطبيب ثم انتظار نتيجة المختبر ثم العودة للطبيب ثم انتظار الأدوية. انتظار وانتظار والوقت يمضي ويتسلل من بين الأصابع. الكل مشغول بجواله ينظر إليه كالمسحور، لا يتحدث، لا ينظر لمن حوله. يبدو ان هذه هي الحسنة الوحيدة للجوال فقد كف الناس عن البحلقة بالناس.
ظهر الرقم ملوحاً على الشاشة 120 ثم نظر إلى ورقته التي تحمل 202. يا للهول لا زال الوقت طويلا حتى يأتي دوري واعود لممارسة حياتي الطبيعية.. تشاغل بالنظر حواليه فلمح طفلان يلعبان دون ألعاب. كانا يقفزان فوق مربعات البلاط دون ان يطأ الخطوط الفاصلة. ابتسم دون أن يشعر، للأطفال هذه القدرة، نشر الابتسامة لأنهم يحملون السعادة ما بين جوانبهم. ظل مستمعاً بهذه المسرحية البريئة حتى دلفت منهم امرأة أسيوية واتجهت بهما نحو باب الخروج. تابعهم وهو مبتسم فالتقت عيناه بأجمل عينين خضراوين رآهما في حياته. فتاة محجبة تنظر إليه مبتسمة بحنان قاعدة على كراسي مقابلة له.
دبت الحياة في قلبه الهرم، تذكر زوجته وترهلات جلدها، وشكواها المستمرة، ونسي انه أكبر منها بعقد على الأقل. اتجهت عيناه إلى هندامه وعدل منه ولكن عيناها لم تحيدا عن عينيه، اتجهت عيناه إلى بطنه المقعر مبرهناً عن رشاقته، لكن عيناه ثابتتان على عيناه. وضع ساقا فوق الأخرى ليريها الحذاء الفخم الشمواه، وابرز ساعته الذهبية ليبرهن عن ثرائه. ولكن عيناها لم تتحركا عن عينيه محافظة على الابتسامة الخلابة. سبح وغطس في بحور الأحلام فابتسم لها واخذ يحادث نفسه.
يبدو انها أعجبت بي وبرشاقتي ومظهري الحسن! ماذا عن تقدم السن؟ لا فرق هنا فالحب يذيب كل الفروقات. لسوف أتزوجها وابني لها قصراً وأجلب لها الخدم. فهي لي وحدي، ولا أريد ان تنشغل بأمر آخر غيري. ولن انجب منها أطفالا، يكفي ازعاج تربية أطفالي التي أنهكت صحتي وأضحوا رجالا ونساء. طفل واحد إن أصرت واثبت به فحولتي. لكن الزوجة الأولى ستغضب! لتغضب كيفما أرادت فهذا حقي الشرعي وبقي لي اثنتان. سأشترى لها طقم ذهب وأراضيها. قطع حبل أفكاره، امرأة مسنة دلفت منها ثم أمسكتها من يدها فوقفت وهي لا تزال تنظر أمامها ثم أخرجت عصا من حقيبتها وتأبطت ذراع المسنة باليمنى وأخذت باليسرى تتحسس الأرض بعصاها وهي تنظر أمامها وتبتسم وتتكلم مع المسنة.
وسط ذهوله.. سمع صوتا ينادي 202 ، دواء السكر والضغط جاهز.
- قصة قصيرة/ علي محمد الماجد