متابعة - محمد المرزوقي:
شيعت جموع غفيرة جثمان العلامة عبدالله الصالح العثيمين - رحمه الله - بعد أن أدوا عليه صلاة الميت بعد صلاة عصر يوم أمس، حيث توافد إلى جامع الراجح شرق العاصمة الرياض مئات المعزين من مختلف شرائح المجتمع، من أدباء ومثقفين وأكاديميين، وغيرهم، لما يمثله الفقيد مكانة علمية، وقامة وطنية ثقافيا وفكريا، وقيمة أدبية شاعرا وكاتبا، ورمزا علميا مؤرخا ومحققا ومترجما، إلى جانب ما تمثله شخصية عبدالله بن عثيمين - تغمده الله بواسع رحمته - من شخصية اجتماعية يجمع على حبه ونبل خلقه وحسن تعامله، إضافة إلى تواضعه الجم، الذي جعل من الفقيد مضربا للمثل في التواضع ولين الجانب.
كما كان لمسيرة العثيمن العلمية، التي صحبها مسيرة من العطاء والبذل بالكلمة الموثوقة «تاريخيا» والإبداعية «أدبيا» والعطاء «الفكري» عمليا» إلى جانب إسهاماته من خلال المواقع التي أسندت إليه خلال مسيرته العلمية، عبر العمل الأكاديمي، من خلال عدة مستويات علمية وعملية تدرج فيها وبرز في الإسهام من خلالها، في جامعة الملك سعود بالرياض، إضافة إلى إسهامه الفكري، من خلال مجلس الشورى، وإسهاماته من خلال عمله أمينا لجائزة الملك فيصل العالمية.
وإلى جانب كل هذه الإسهامات فلم يكن عطاء ابن عثيمين مما يوصف بالإخلاص والتفاني والإنجاز المتميز فحسب، بل كان له حضوره المختلف من خلال المواقع العلمية التي شغلها، ليتجاوز ذلك إلى فيض من العطاء الأدبي شاعرا وكاتبا وباحثا في نواح أدبية شتى، مصدرا مجموعة من الدواوين الشعرية، التي تتسم بالرصانة والعمق وجودة اللغة وحسن السبك والبناء، متخذة من الموضوعات الوطنية أولى معطيات مدادها الإبداعي، إضافة إلى ما يميز العديد من نصوصه الشعرية، التي تصور مرحلة من تاريخ ذاكرتنا الوطنية، والحالة العربية التي نظمها ابن عثيمين في قصائده، إذ يجمع في نصوصه ذات مغرقة في حب الوطن ووجدانيات تفاصيله، مستدعيا هموم أمته العربية التي عاصرها، وسطرها في مقالاته إلى جانب قصائده، إلى جانب أطروحاته الأدبية عبر المؤتمرات والندوات داخل المملكة وخارجها، الأمر الذي جعل من الفقيد رمزا أدبيا، وعلما من أعلام الشعر السعودي المعاصر.
لقد اجتمع في شخص ابن عثيمين - رحمه الله - قامات أعلام في قامة وعلم واحد، ليكون من أعلام التاريخ، والأدب، والتحقيق، والإسهام، وقبل ذلك كله ليكون مضرب مثل في الكثير من الشمائل والصفات التي جعلت منه العثيمين (الإنسان) الذي يشار إليه بالبنان في كل محفل، وطني كان أو إقليمي، ليظل ابن عثيمين اسما «حيا» ورمزا خالدا في ذاكرتنا الوطنية، مؤرخا، وأديبا، وباحثا، ومحققا.. وأمينا.