الجزيرة - الرياض:
يقول مصرفيون إن تدبير الدولار الأمريكي يزداد صعوبة وتكلفة في أسواق النقد الخليجية منذ التخفيضات الحادة التي أجرتها ستاندرد أند بورز على التصنيفات الائتمانية السيادية لثلاثة من مصدري النفط في المنطقة.
ويسلط شح السيولة الدولارية (رغم أن معظم الدول تربط عملاتها بالدولار مما يسهل عادة توافر العملة الأمريكية عن طريق الحد من مخاطر سعر الصرف) الضوء على المخاوف المستمرة بشأن قدرة المنطقة على التأقلم مع حقبة أسعار النفط المنخفضة.
وقال عبدالكريم بوجيري، الرئيس التنفيذي لبنك البحرين والكويت لرويترز: «السيولة بالعملة المحلية ليست مشكلة على الإطلاق. إنها تنمو. ودائع العملاء وفيرة بالدينار البحريني».
«السيولة بالعملة الأجنبية.. بالدولار الأمريكي.. تنكمش. وبخاصة مع خفض التصنيف فإن بعض البنوك الأجنبية قد تجد أن الوقت ملائم لتقليص خطوط الائتمان. إذا حدث ذلك فأنا متأكد من أن السيولة ستكون موضع شك».
وتأثر تدفق الدولار بشكل خاص في البحرين وسلطنة عمان وبدرجة ما في السعودية بينما يكاد يكون طبيعيا في الإمارات العربية المتحدة التي من المعتقد على نطاق واسع أنها ستكون قادرة على التعامل مع النفط الرخيص بشكل أفضل من جيرانها بفضل تنوع موارد اقتصادها وأصولها الأجنبية الضخمة.
وقال مصرفي خليجي مطلع: إنه في أوائل يناير / كانون الثاني كانت تكلفة شراء الدولار للتسليم خلال 12 شهرا 0.3857 ريال عماني لكن السعر الآن 0.4000 ريال. وارتفع السعر للدينار البحريني إلى 0.3830 الآن من 0.3807 في يناير / كانون الثاني. وقد تواجه البنوك أسعارا مختلفة بناء على حجم الصفقات ومداها.
السيولة
وحتى الأشهر القليلة الماضية كانت المخاوف من شح السيولة في دول مجلس التعاون الخليجي الست تتركز على أسواق النقد بالعملة المحلية حيث قلصت أسعار النفط المنخفضة إيرادات الحكومات وخفضت الودائع الجديدة من الأموال الحكومية في البنوك. ودفع ذلك أسعار الإقراض قصير الأجل بين البنوك للارتفاع.
لكن ثمة عوامل جديدة الآن تعوق توافر الدولار. أحدها تطبيق لوائح أمريكية لتضييق الخناق على التهرب الضريبي ومكافحة غسل الأموال.
فرض ذلك تكاليف إضافية على البنوك الأمريكية مما حدا بالكثير إلى تقليص عدد المؤسسات الأجنبية التي تعمل معها وجعل البنوك الأجنبية العاملة في الولايات المتحدة تتوخي مزيدا من الحذر في العلاقات مع الخليج.
وقال المصرفيون إن صفعة أخرى جاءت عندما تحركت السعودية والكويت لاحتواء المضاربة ضد عملتيهما في الأسواق الآجلة. ففي يناير / كانون الثاني حث البنك المركزي السعودي البنوك على تفادي معاملات المشتقات التي تضغط على الريال وفي نفس الشهر أدار بنك الكويت المركزي عملية تحديد السعر اليومي للدينار بما يدرأ المضاربين.
ومع تقلص المضاربة انكمش نشاط التداول في سوق الصرف الأجنبي بالمنطقة وأصبحت البنوك الأجنبية أقل نشاطا في توفير الدولار حسبما ذكر المصرفيون.
من ناحيتها، قالت وكالة موديز انفستورز سيرفيس للتصنيف الائتماني: إن استمرار تدني أسعار النفط ما زال يفرض ضغوطا على عمليات التمويل في بنوك دول مجلس التعاون الخليجي.
وذكرت موديز في تقريرها، أن انخفاض أسعار النفط كان له تأثير قوي في معظم الأحيان على سيولة البنوك الخليجية والتي باتت في وضع أكثر صعوبة وهو ما يتجلى في ارتفاع حجم الاقتراض الحكومي وانخفاض التدفقات على الودائع وارتفاع أسعار الفائدة.
وقال نيتيش بوجناجاروالا، مساعد نائب رئيس موديز ومعد التقرير: «يسبب انخفاض إيرادات النفط شحا في السيولة بدول مجلس التعاون الخليجي إذ تباطأ معدل نمو إجمالي الودائع كثيرا ليصل إلى نحو ثلاثة بالمئة في 2015م من حوالي 10 بالمئة في 2014م».
وأضاف «علاوة على ذلك من المتوقع على نطاق واسع أن تقل احتياطيات الأصول السائلة نحو 20 بالمئة في المنطقة خلال 2016م».
وأشار بوجناجاروالا، إلى أن احتياطيات الأصول السائلة تظل جيدة عند حوالي 20 إلى 25 بالمئة من إجمالي الأصول إلا أن هذا الاتجاه يدفع مستويات التمويل لدى البنوك المحلية للارتفاع بما يزيد من إجمالي تكلفة التمويلات ويقلل الربحية.
ونقل تقرير موديز عن بوجناجاروالا، قوله: «بينما تباطأ نمو الائتمان في المنطقة بسبب انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي وتراجع ثقة الشركات والمستهلكين إلا أن التأثير الواقع على أداء القروض حتى الآن كان محدودا وتظل الاحتياطيات الرأسمالية قوية».
وأشار التقرير أيضا إلى أن الحكومات الخليجية تعمل بشكل متزايد على سد العجز في موازناتها عن طريق البنوك.
وقال خالد هولادار، نائب الرئيس في موديز: «يزداد انكشاف النظام المصرفي على الحكومات وهذا الإقراض يدعم كثيرا ملاءة البنوك في ضوء جودة الائتمان العالية وارتفاع العوائد المرتبطة بالاقتراض الجديد الأطول أمدا».
لكنه أضاف «رغم ذلك يمكن أن يحد هذا الاقتراض من توافر الائتمان المصرفي للقطاع الخاص ويزيد من نسبة تركز القروض».
المضاربون
يرجع تماسك الأسواق المالية السعودية لأسباب من بينها الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي السعودي لردع المضاربة على الريال في سوق العقود الآجلة.
كان الريال هبط لمستويات قياسية في سوق العقود الآجلة في يناير / كانون الثاني مع تحوط مصارف ضد مخاطر احتمال قيام السلطات بخفض قيمة العملة المحلية لزيادة قيمة الإيرادات النفطية والحد من التدفقات النقدية الخارجة.
ومع نزول الريال سادت حالة من التوتر في الأسواق الأخرى وهو ما عزز المخاوف وأدى لتراجع معنويات المستثمرين بشأن السعودية.
وكان رد فعل البنك المركزي هو تحذير البنوك التجارية من المراهنة على هبوط الريال وحثها على عدم التعامل في صفقات مشتقات من شأنها الضغط على الريال. ويبدو أن الإجراء أتى بنتيجة إيجابية حتى الآن إذ استقر الريال عند مستويات أعلى وتباطأت المعاملات على العقود الآجلة.
يقول الاقتصادي جون سفاكياناكيس: «بالرغم من الشائعات الدائمة أعتقد أن السعودية لن تقدم على فك ربط الريال بالدولار أو على خفض قيمة العملة المحلية من أجل تحقيق الاستقرار».
وأضاف «لم يفعلوا ذلك في الأوقات الصعبة التي مروا بها في تسعينات القرن الماضي وأوائل الألفينات ولن يقوموا بذلك الآن».
وقال آندي كيرنز، رئيس إنشاء السندات وتوزيعها لدى بنك أبوظبي الوطني: «أتوقع زيادة كبيرة في جمع الأموال السيادية بمجلس التعاون الخليجي هذا العام».
وأضاف: «من جهة أسواق المال ليس من المستبعد أن نرى إمدادات سيادية لمجلس التعاون الخليجي بقيمة 20 مليار دولار».
وقال ماثياس أنجونين، المحلل لدى موديز في دبي: «نتوقع تحول مزيج التمويل من تسييل الأصول إلى إصدار أدوات الدين في السوق ونتوقع أن تعزز السعودية وسلطنة عمان والبحرين استعانتها بإصدار أدوات الدين في الأسواق العالمية. سيخفف هذا الضغط عن الاحتياطيات والأنظمة المصرفية المحلية».
الأسعار
وبلغ إجمالي حجم الاقتراض الدولي لجهات الإصدار السيادية والشركات في مجلس التعاون الخليجي من خلال طرح سندات وصكوك وقروض مجموعة بخلاف القروض الثنائية نحو 90 مليار دولار العام الماضي بحسب تقديرات بنك أبوظبي الوطني. وتجاوز حجم الاقتراض من خلال القروض المجمعة 68 مليار دولار.
وحصلت الحكومة القطرية على قرض مجمع بقيمة 5.5 مليار دولار فقط هذا الشهر بعد أن كانت تسعى في الأصل لجمع عشرة مليارات دولار.
وقال كيرنز: «مستويات أسعار القروض السيادية التي تحصل عليها (دول) مجلس التعاون الخليجي بالغة التدني وتعوق إلى حد كبير المشاركة الفعالة من جانب بنوك مجلس التعاون. أما فيما يخص السندات والصكوك فأنا واثق من أننا سنرى مشاركة شرائية من جانب المستثمرين من مجلس التعاون في إصدارات سيادية من دول المجلس».
وتعرضت العلاوات السعرية بالفعل لضغوط شديدة حيث تثني أسعار النفط الآخذة في الهبوط المستثمرين من خارج المنطقة وتضيق المجال أمام البنوك المحلية لشراء سندات حكوماتها.