رحم الله من كان للخير سبيلاً وللرشد دليلاً
الحمد لله القائل {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل (إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) أما بعد.
حينما بلغني خبر وفاة إبن خالتي وزوج شقيقتي سارة وصديق عمري اللواء عبدالعزيز بن ناصر التركي بعد معاناة شديدة مع المرض وآلامه استمرت لأكثر من نصف عام قابلها بصبر واحتساب وتسليم بقضاء الله وقدره, عز عليّ سماع هذا الخبر, وأثّر في قلبي موقعه لما للفقيد الراحل من مكانة ومحبة ومعزة وأثر وتأثير في نفسي ومما زاد في حزني وألمي أنني خارج المملكة ولم أتمكن بالتالي من المشاركة في الصلاة عليه وتشييعه ومواراته, ولكنها الأقدار, والأقدار سهام إذا انطلقت لا ترد وبرحيله رحمه الله تجددت الأحزان على فراقه وفراق بعض الأهل والأقارب والأصدقاء ولكنها سنة الله في خلقه (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ) والموت طريق نحن سائرون عليه جميعاً ونسأل الله أن يُحسن لنا جميعاً الختام.
فكُلُ معمرٍ لابد يوماً
وذي دُنيا يصيرُ إلى زوالِ
ويفنى بعد جِدته ويبلى
سوى الباقي المقدس ذي الجلالِ
أبْاَ نَاصرِ إِنَّكَ كُنتَ غَيثاً
وَيُسراً حينَ يُلتَمَسُ اليَسارُ
أَبَت عَينايَ بَعدَكَ أَن تَكُفّا
كَأَنْ لَمْ تَحْوِهَا عَني الْبِحَارُ
سَقَاكَ الْغَيْثُ إِنَّكَ كُنْتَ غَيْثاً
ثَوَى فِيهِ المَكَارِمُ وَالْفَخَارُ
وَإِنَّكَ كُنْتَ تَحْلُمُ عَنْ رِجَالٍ
وَتَعْفُو عَنْهُمُ وَلَكَ اقْتِدَارُ
رحمك الله يا أبا ناصر لقد أكرمك الله بمكارم الأخلاق ومحامد الصفات مثل العطف على الصغير وتقدير الكبير والإحسان الى المحتاج وصلة الأرحام والأصدقاء وإكرام الضيف وزيارة المريض وغيرها من الصفات الحميدة وعلى الرغم من فقدانك لأبويك رحمهما الله وأنت دون السابعة عشرة من عمرك فقد واصلت مسيرة حياتك بعد توفيق الله وفضله بثبات وعزيمة وإصرار وشققت طريقك إلى ما كنت تصبو إليه وتتمناه ولم يشغلك عملك عن أهلك وأقاربك وأصدقائك وكنت كالغيث أينما حللت نفع الله بك.
مضَى الذي كانَ للأقارب أباً
فاليومَ كلُّ الأهل قد يتموا
ما عرفتْ منهُ لا، ولا نعمٌ
بل دونهنّ الآلاءُ والنِّعَمُ
رحمك الله يا أبا ناصر لقد كنت لأهلك ومحبيك عوناً وسنداً بعد الله تفرح لفرحهم وتحزن لحزنهم وكنت أباً حنوناً تسعى لهم صغاراً وتعلمهم كباراً تكتسب لهم في حياتك وتذّخر لهم بعد مماتك, كنت لهم كالقلب بين الجوانح تصلح الجوانح بصلاحه, كنت يا أبا ناصر كافلاً لليتيم وخازناً للمساكين, كنت يا أبا ناصر حريصاً على بر والديك رحمهما الله في حياتهما وبعد وفاتهما وكذلك الأمر لإخوتك وأخواتك وأقاربك وأصدقائك ولأنك مورداً عذباً فقد كنت كثير الازدحام أثناء صحتك وعند مرضك وحزن الجميع على فراقك وتجمعوا للصلاة عليك والمشاركة في تشييعك ومواراتك.
يا أبا ناصر عز علينا فراقك ولكن لا نملك إلا التسليم بقضاء الله وقدره, وأسأل الله أن يجعل أبناءك خير خلف لخير سلف.
يجري القضاء وفيه الخير نافلة
لمؤمن واثق بالله لا لاهي
إن جاءه فرح أو نابه ترح
في الحالتين يقول: الحمد لله?
فاللهم لك الحمد على ما أعطيت ولك الحمد على ما أخذت ولك الحمد على ما أبقيت اللهم اني لا أملك من عزاء لشقيقتي أم ناصر إلا أن أقول لها:
أعلم تماماً ما بذلتيه من جهودٍ كبيرة في سبيل راحة الفقيد الراحل وكنتي عوناً له في تربية أبناءكم وتعليمهم لا سيما وأن طبيعة عمله كانت تتطلب منه السفر كثيراً ولمدد طويلة ورافقتيه في رحلة العلاج حتى توفاه الله فجزاكِ الله خيراً
إني معزيكَ لا أنيِّ على ثقة ٍ
مِنَ الحياة، وَلكنْ سُنَّة ُ الدِّينِ
فما المُعَزِّي بباقٍ بعدَ ميتهِ
ولا المُعَزَّى ولو عاشَا إلى حَينِ
كما أني لا أملك من عزاء لأبنائه رحمه الله ناصر ومصعب وعقيل ومشعل وبناته مرام وبشرى ونوره إلا أن أقول لهم: كنتم مثالا للبر بوالدكم رحمه الله
أُوصِيكُمُ بِتُقَي الإِلهِ فَإِنَّهُ
يُعْطِي الرَّغائِبِ مَنْ يَشَاءُ ويَمْنَعُ
وبِرِّ امكُمْ وطاعةِ أَمرِهِا
إِنَّ الأَبَرَّ مِن البَنِينِ الأَطْوَعُ
إِنَّ الكَبِيرَ إِذا عَصَاهُ أَهْلُهُ
ضَاقَتْ يَدَاهُ بأَمرِهِ ما يَصْنَعُ
وَدَعُوا الضَّغائنَ لا تَكُنْ مِن شأْنِكمْ
إِنَّ الضَّغائنَ لِلْقَرَابَةَ تُوضَعُ
إِنَّ الَّذِينَ تَرَوْنَهُمْ اصحابَكم
يَشْفِي غَلِيلِ صُدُورهم أَنْ تُصْرَعُوا
أسأل الله أن يوسع لك في قبرك ويغفر لك يوم حشرك ويسكنك فسيح جناته وأن يجبر كسر قلوبنا على فراقك ولا نقول إلا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
محمد علي العقلا - مدير الجامعة الإسلامية سابقاً