طالما خيّل لي أن الأحساء واحة جامعة من أهل النبل والفضل، اختصها الله بمزيد من العلم والعلماء وذوي الجاه والقدر، حتى كانت المصادفة الجميلة بعد ظهر يوم الأحد 18 ربيع الأول 1422هـ في أول لقاء جمعني بصاحب المعالي الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله البراك، وزير الخدمة المدنية السابق. ابن الأحساء البار وأحد أبرز القيادات الذين تشرفتُ بالعمل في كنفهم على ما يربو على أحد عشر عاما، واستمرت حتى يومي هذا، وجدته فيها مدرسة من الخلق، والإدارة، والجد في العمل، والصدق مع الناس، والإخلاص لله. مما رسخ في نفسي هذا المفهوم الرفيع لهذه المنطقة وأهلها.
أتذكر ذلك كله وأنا أستقبل هذا اليوم السبت 2 رجب 1437هـ خبرا ساراً عن تكريم معاليه من قبل جامعة بتسبرغ بولاية بنسلفانيا الأمريكية بجائزة الخريج المتميز عن عام 2016م، تقديرا لإسهامات معاليه المتميزة بوصفه أحد خريجي الجامعة. تم ذلك بحضور نائب مدير الجامعة، وأعضاء مجلس الزوّار بالجامعة المشكلين من ذوي الخبرة والمعرفة، والذين يناط بهم القيادة والتوجيه في عملية التخطيط الاستراتيجي لبرنامج الدراسات العليا للشؤون العامة والدولية، كما أن التكريم تم بحضور عميد وأعضاء هيئة التدريس في البرنامج، بالإضافة إلى مجموعة من طلاب الدراسات العليا، وقد توّج هذا التكريم بوضع لافتة بالجائزة وصورة لمعاليه في بهو الكليّة.
وأود أن أشير هنا بحكم قربي من المجتمع الأكاديمي الأمريكي حاليا، ولمعرفتي بهذه الجامعة العريقة والبرنامج المتميز الذي يتصدر قائمة أفضل التخصصات الأمريكية منذ تأسيس الجامعة قبل ما يربو على 200 عام؛ إلى أن هذه الجائزة تمنح عادة للأفراد الذين قدّموا خدمات مهنيّة متميّزة، والتي ترى فيهم الجامعة مصدر فخر لها، وقدوة لطلابها، حيث تم ترشيح معاليه من قبل عميد برنامج الدراسات العليا للشؤون العامة والدولية، والذي قام بدوره بعرض التزكية على لجنة مستقلة تنظر عادة في الكثير من الترشيحات، وإلى الخدمات التي قدّمها كل مرشح، حيث حصل على هذه الجائزة حوالي خمسين طالباً فقط من أصل ثمانية آلاف خريج منذ تأسيس الجائزة عام 1979م.
وإنه لمن جميل الوفاء من معاليه ما رأيته في كلمته خلال التكريم وبحضوركبار مسؤولي الجامعة والكليات تعبيره الصادق عن عميق الشكر والامتنان على الترشيح والدعوة، وعن تقديره للقيم الرفيعة والأخلاق السامية لإدارة وأساتذة وموظفي الكلية خلال أيام دراسته، وعن أهمية المحاضرات والنقاشات التي تلقاها في الجامعة خلال دراسته للماجستير والدكتوراه، والتي وجدها معه في تجربته العمليّة مصدر إثراء لكثير من القضايا التي مارسها في ميادين العمل المختلفة. كما أكبرتُ لمعاليه التعبير عن الروح المعنوية والممارسة الأخلاقية التي اكتسبها في الجامعة، والتي رأى فيها إلهاما للكثير من العطاء المعرفي الشوري والقانوني خلال عضويته في مجلس الشورى، وقد اختتم كلمته بالتعبير عن مشاعر الامتنان للزملاء من الطلاب الذين تشارك معهم القيم الثقافية المختلفة من شتى دول العالم، وتمنياته بدوام التبادل العلمي والمعرفي الرفيع الذي تنشده الجامعة لقيادات المستقبل. ولا يليق الوفاء إلا بمن شكر.
أستعرض ذلك وأنا أقلب صفحات تاريخ معاليه بحكم قربي منه لسنوات جميلة، وأشيد وبإكبار وتقدير عميق عن روح هذه التجربة الملهمة من الكفاح في مواصلة التحصيل العلمي في أكثر التخصصات إلحاحا على بلادنا الغالية ذلك الوقت مطلع الثمانينيات الميلادية، حيث بكورة التطوير المؤسسي في الدولة والتنمية الشاملة على مختلف الأصعدة، وما أعقبها من مسيرة عملية في ردهات جامعة الملك سعود أستاذا ومسؤولاً في كلية الإدارة العامة آنذاك، ثم وكيلا للجامعة مدة تزيد على أحد عشر عاما، وما أعقبها عند انتقاله عضوا في مجلس الشورى ومساعدا لرئيسه مدة أحد عشر عاما أخرى، شارك فيها عضوا فاعلا ورئيسا لأكثر اللجان أهمية وإلحاحا في ذلك الوقت، والتي كانت تُعنى بتطوير دور المجلس الرقابي والمهني، وإحلال تقنية المعلومات في كل شؤونه، بالإضافة إلى كثير من فرق العمل المساندة، كان في بعض منها مواصلاً لعمل الليل بالنهار إلى أن تحقق على يديه تسريع عجلة الكثير من القضايا العالقة إلى رصيد من المنجزات المهمة مما يطول المقال في تفصيلها. وإنه لمن جميل هذا العطاء أن تتوج هذه الخبرة النيرة بثقة سامية من قيادة بلادنا الغالية باختياره وزيرا للخدمة المدنية في تاريخ 18 محرم 1433هـ، طوّر خلالها مفهوم الوظيفة العامة إلى مصدر للموارد البشرية في المملكة، كما رسم خلالها الكثير من الأطر والاستراتيجيات التي من شأنها تأهيل الكفاءات على أسس عصرية قادرة على التعاطي مع مستجدات العالم الحديث، لمدة ثلاث سنوات وحوالي الثلاثة أشهر.
تاريخ يكتب وصفحات وضيئة في رحاب تاريخكم معالي عبد الرحمن البراك، لم تكن لتتأتى إلا لذوي الإخلاص والعزم أمثالكم، أنتم أهل لكل حفاوة، وتكريمكم تشريف لذوي الكرم والفضل، فيكم يستلهم أبناء الوطن روح المسؤول التي تتسم بالجد والكفاح لرفعة دينه وبلاده، ومنكم أستلهم سيرة عاطرة لأبنائي، أحكي فيكم قصة خالدة عن روح العطاء ومدرسة الخلق، والحديث في حقكم معجزٌ عن التعبير، جمع الله لكم الكثير من مكارم أهل الفضل، وجللكم بصفات المروءة؛ فلقد كُنتُم خلال مسيرتكم العملية خير محتملٍ للعثرات، وكف للأذى، وصيانة للنفس، وطلاقة للوجه، حتى حظيتم بمودة وعرفان وتقدير من عمل في كنفكم، حفظكم الله وأبقاكم وأمتع بكم..
- فيشرز - ولاية إنديانا الأمريكية