كتابة وتصوير - أحمد المغلوث:
كانت عيون المياه في الأحساء في الماضي أشبه بالأنهر الصغيرة التي تنساب بين غابات بساتين النخيل. وما أكثرها في الأحساء، هذه الواحة المعطاءة التي وهبها الله من خيره الكثير. ينابيع من الماء، وآبار من النفط، فلا عجب بعد هذا أن يشد إليها الرحال من مختلف مناطق المملكة ومدن الخليج للاستمتاع بمياهها وطبيعتها المتميزة والموحية. وكانت لعيون المياه في أحساء الخير شهرة، سجلتها كتب التاريخ، كما رسخت في ذاكرة الأجداد، وراحوا يتحدثون عنها وعن حكاياتها وقصصها التي لا تنتهي.
بدءًا بكيف يحتفل العرسان بأعراسهم على ضفاف هذه العيون كما كان يحدث في عين «أم سبعة» و«الحارة» و«نجم» و«الجوهرية» و«الخدود» و«أم خريسان» و«عين صويدرة» التي أقيم بجانبها احتفالية افتتاح مشروع الري والصرف الذي رعاه الملك فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله -، وعين «الزواوي» جنوب المبرز، وهي عين اشتُهرت بعذوبة مياهها.
مئات من العيون التي تراجعت مياهها مع الأيام، وباتت ذكرى ومشاهد في الصور والأحلام. فهناك عيون - للأسف - نضبت، وراحت هيئة الري والصرف مشكورة بوضع مضخات كبيرة بجانبها لسحب المياه من أعماق الأعماق؛ لتصب في قنوات الري التي تمتد كأوردة داخل جسد غابات النخيل المتناثرة في الأحساء؛ لتنقل إليها الماء والحياة.
وعيون مياه الأحساء وينابيعها كانت - وما زالت - تمتاز بخاصية كون مياهها دافئة؛ وبالتالي تتراوح حرارتها بين 85 و90 درجة فهرنهايت، وهناك القليل منها امتاز بدرجة حرارته المرتفعة كـ«عين نجم».
وتنتشر عيون أو ينابيع المياه في واحة الأحساء في مختلف المدن والقرى الشمالية والشرقية. ولوجود وانتشار عيون المياه في الأحساء انتشرت هواية السباحة، ونادرًا أن تجد طفلاً في الأحساء في الماضي لا يجيد السباحة.
وما زال أبناء الأحساء والمقيمون فيها يترددون على عيون المياه التي عادت إليها المياه من خلال المضخات لممارسة السباحة، وحتى الاغتسال؛ فبعض العيون قريبة جدًّا من المناطق السكنية كما هو الحال في عين الحارة بالمبرز، التي أصبحت وسط المدينة تقريبًا.
وبتواضع قام «المحرر» برسم لوحات عن بعض عيون المياه في الأحساء في الماضي؛ ليشاهدها الجيل الحاضر، الذين لم تُتَح لهم مشاهدة جمالها وطبيعتها وتميزها. وماذا بعد؟ تبقى عيون المياه في الأحساء - وما أكثرها - تاريخًا يتوارثه الآباء عن الأجداد، عن ماض جميل، حمل الخير الكثير لأرض الأحساء؛ لتزهو بغاباتها المنتشرة والشامخة في أرجاء المنطقة.