عبدالحفيظ الشمري
وكأن حياتنا في أدق تفاصيلها باتت منطفئة وباردة!! ولا يمكن لها أن تدفأ أو تنشط إلا بمزيد من اللهاث والتسارع، والبحث عن كل ما هو طريف ومغاير لما ألفناه، عله يثير في البعض منا مكامن الطرافة حتى وأن كان مجرد وهم، أو عادة درجت عليها تفاصيل الاستهلاك في حياتنا المعاصرة!.
فمع هذه الهجمة الاستهلاكية، وإيقاعها المتسارع بتنا نتصور أن كل ما حولنا يجب أن يكون كثيفاً وكثيراً وسريعاً ومقرمشاً وحراقاً وطازجاً؛ وما إلى تلك العبارات والمصطلحات والنعوت التي يتم إطلاقها على كل شيء حتى وأن لم يكن مفيداً أو جيداً أو مكتملاً؛ لتعلق في أذهان الكثير منا فرضية أن السرعة هي أهم منجزات حياتنا، بما فيها من أخطاء، وحشو، وعدم اتزان.
الشيء الملفت إلى جانب أمر السرعة هو تزايد فكرة المنكهات والمحسنات والملونات في طعامنا هذه الأيام على نحو: «حراق..» إلا أن الأمر المتناقض هو أن يكون بالفعل حراقاً؛ لاهباً رغم أن أجواءنا حارة إجمالاً، وحارقة صيفاً، إذ لا يثير استغراب أحد ما، فالكل يطلب الحرارة، ويجري بسرعة، ويبحث عن القرمشة!! فمن الأولى والبديهي أن يكون الأمر معكوساً تماما، أي أن يكون المقدم في بيئتنا هو المنتج البارد؛ من مرطبات، ومثلجات، علها تعيننا على تحمل هذه الأجواء الصيفية الحارة إجمالاً.
فنحن هنا لا نعترض على أن يكون كل شيء طازج ومكتمل العناصر، ويقدم بشكل مناسب، لكن أن تكون حياتنا وقوداً لشعار السرعة والحرارة والقرمشة، ومصطلحات الاستهلاك الأخرى.. فهذا هو الخطأ.. أما وإن كان ولا بد؛ فإنه من المفيد أن تكون حياتنا العامة سريعة أيضاً في إنجاز أعمالنا، ورعاية صناعاتنا، أو حتى مراعاة مواعيدنا في الأجهزة الخدمية.
والطريف الملاحظ في أمر هذه الهجمة الاستهلاكية، وهذه الترويج للمأكولات والأطعمة أن هناك طفرة في افتتاح المزيد من مراكز الصحة والرشاقة، فكلما زادت هذه المطاعم، والمطابخ، والشركات الأطعمة زادت في المقابل هذه المراكز الصحية الفخمة، والمرتفعة في رسوم دخولها؛ مع غياب كامل، أو لنقول ندرة في مراكز الصحة والرياضة في الأحياء، والإمكان العامة. مثل ممرات المشي ومضامير الجري، وممارسة أنواع من الرياضة؛ تساعد على مكافحة الترهل والسمنة، وقد يداخلك الشك أن أمر تعطل المشاريع الخدمية للمجتمع في الأحياء مرده هو تسويق وتسويغ لوجود هذه المراكز التي انتشرت في كل مكان!
أما وإن عدنا لأمر السريع والحراق، وما إلى ذلك؛ فإن الجانب المعنوي للأسف غائب تماماً، ومبتعد عن أجواء الحرارة والدفء، أي أن النهم الغذائي، والتسوق، ومشاهدات البرامج، وحضور العروض، واحتفالات افتتاح الأسواق هو الأكثر حضوراً في علاقاتنا الإنسانية؛ إذ تطغى هذه الجوانب المادية -للأسف- على ما هو معنوي مهم.
ويتضح من ذلك أن مشكلتنا مع تسارع طلباتنا، وزيادة حرارة الشوق لكل مادي، وارتفاع وتيرة البحث عن كل ما يشبع الرغبة المادية، ونهم الاستهلاك تكمن في أن هناك جانبا قوياً ومؤثراً يتمثل في سلطة الإعلان، وسطوة الترويج، واستغلال عاطفة الأسرة وحاجات الطفولة، وهو ما جعلنا في حمى هذا اللهاث.. فكأن حياتناً وجبة أعدت على عجل، منكهة بـ»سريع وحراق».