كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود هي بيت الخبرة الأكاديمي في المملكة العربية السعودية في مجال السياحة والآثار. وُلدت عملاقة وبجهود مخلصة من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث والوطني وخبراء أعضاء هيئة التدريس بقسم الآثار الذي يمتد عطاؤه ليقارب الأربعين عاماً، ففي الوقت الذي تعمل فيه الكلية على تقييم أدائها من خلال تقاريرها السنوية ومؤشرات الأداء بمناسبة مرور عقد من الزمان على إنشائها، ساهمت بدور فاعل مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، في جلسات «مؤتمر الأثر الاقتصادي للتراث الوطني»، الذي عُقد في 21جمادى الآخرة 1437هـ، ضمن أعمال ملتقى السفر والاستثمار السعودي التاسع، وتمثلت مشاركة جامعة الملك سعود في هذا المؤتمر بست أوراق بحثية إضافة إلى المشاركة في جلسات ورش العمل وركن تعريفي بنشاطات الكلية، قُدمت في الجلسات الثلاث للمؤتمر، وذلك على النحو الآتي:
تمثلت مشاركة كلية السياحة والآثار جامعة الملك سعود في الجلسة الأولى بورقة الدكتورحسني عمار والمعنونة «المردود الثقافي والاقتصادي لمعارض الآثار»، التي أكدت على أن الكشف عن الآثار ليس نهاية المطاف بالنسبة للعمل الأثري، وإنما يشكل بدايته، مروراً بصيانته وترميمه وتسجيله وتوثيقه والتعريف به، إضافة إلى استثماره ثقافياً واقتصادياً، وتُعد إقامة معارض الآثار إحدى الوسائل الرئيسة للقيام بهذه المهام. ومعارض الآثار الداخلية أو الخارجية إما أن تكون ثابتة أو جوالة، وتتمثل الفوائد الاقتصادية لهذه المعارض في مصروفات الزوار وإيرادات الجهات المالكة والمنظمة للمعارض وإبراز الفرص الاستثمارية في الوجهة المقام فيها المعرض، علاوة على تعزيز فرص العمل، ويتمثل المردود الثقافي والتعليمي في صقل المهارات والمعارف للعاملين والمنظمين للمعارض، كما أنها تُعرف بالأثر، وتُنشط دور المتاحف، وتساعد على نشر الوعي الأثري بين الطلاب. وأخيراً يُؤدي تسويق المنتجات الثقافية (الآثار) وزيادة الأنشطة الدعائية المصاحبة إلى تبادل ثقافي ومعرفي بين أفراد المجتمع من ناحية، وبين الدول بعضها بعضا من ناحية أخرى، وما لذلك من أثر فعال فيما يُعرف باسم القوة الناعمة للشعوب والحضارات. فمعارض الآثار وجه جميل تُطل به المملكة صاحبة التراث والحضارة على العالم كله، فكل أثر يحمل معه رسائل مميزة يبثها في عقول وقلوب ناظريه.
وجاءت مشاركة الجامعة في الجلسة الثانية بورقتين بحثيتين.. الأولى للدكتور محمد أبو العطا والمُعنونة «المكتسبات المعرفية والثقافية لتوثيق الآثار: موقع مدائن صالح أنموذجا»، والتي أبرزت الدور المهم لعملية توثيق المواقع الأثرية في التعريف بها، بما تتضمنه من بيانات الموقع بمكوناته المختلفة، وتُشكل هذه البيانات الأساس المعرفي لكل من يتناول هذا الموقع سواء من الناحية الأكاديمية أو السياحية، كما تُوظف هذه المكتسبات المعرفية في عملية الإرشاد السياحي، حيث يقوم المرشد السياحي بشرح الموقع التراثي للسائحين. وكلما كانت معلومات المرشد صحيحة زادت المكتسبات المعرفية والثقافية للسائح، وهو الأمر الذي يعود بالنفع على كافة الأطراف (المرشد والسائح والموقع وبلد المقصد السياحي)، ولعل في هذا ما يبين التكامل بين الأطراف العاملة في مجالات السياحة والآثار، فالآثاري يكتشف ويوثق، والإداري لموارد التراث يخطط ويُهيئ الموقع لاستقبال السائحين، والمُسوق السياحي يُروج للموقع كمقصد سياحي، والمرشد يُعرف السائح والزائر بالموقع. وتطبيقا على موقع مدائن صالح الذي يتضمن الكثير من العناصر المعمارية والفنية، فإن ما توافر من دراسات علمية موثقة ومسجلة كان أحد العوامل التي ساعدت المملكة لتسجيل الموقع ضمن قائمة التراث العالمي بما يمثله من قيمة ثقافية وتاريخية، كما أدى توظيف المكتسبات المعرفية عن الموقع إلى زيادة إقبال السائحين عليه.
وكانت الورقة البحثية الثانية في الجلسة الثانية للأستاذ الدكتور السيد الأنور عثمان والمعنونة «تعزيز الهوية الوطنية من خلال المكتشفات الأثرية»، لتُؤكد على أهمية تعزيز الهوية الوطنية من خلال المكتشفات الأثرية، وتضمنت مفهوم ومكونات الهوية الوطنية كفكرة قابلة للممارسة الفعلية، وأبرزت ما يمكن أن تلعبه الآثار من دورٍ كبير بفكرها وتحليلها واستقرائها وتأويلها وعرضها لتلك المكتشفات الأثرية، على اعتبار أنها تُمثِلُ قواسم مشتركة في الذاكرة الجمعية والعاطفية للمواطنين. كما أن تداولها كرموز وصور لماضي مُشترك تُستمد منه جذور الانتماء ومؤشرات الاستمرارية والاعتزاز بحاضرٍ واعدٍ يترسخ فيه مفهوم المواطنة، ومن ثم تعزيز الهوية الوطنية على مستوى الأفراد والجماعة، مما يؤدي إلى الاستقرار والنماء. ويمكن تحقيق ذلك بتأسيس شراكة عملية بين مؤسسات البحوث والمتاحف الأثرية من جهة والمؤسسات الرسمية والشعبية والشبابية ذات الصلة من جهة أخرى للعمل على تعزيز روح الانتماء.
وفي الجلسة الثالثة والأخيرة من المؤتمر شاركت جامعة الملك سعود بثلاث ورقات بحثية:
الأولى للمهندس نايف العنزي بعنوان «إعادة تطوير الواجهات البحرية التراثية: ينبع البحر»، والتي نجحت في إبراز دور مخططي المدن في تنشيط الواجهات البحرية التاريخية كأماكن إبداعية وجذابة للناس، وعاملاً رئيسياً في تجديد الاقتصاد الحضري في هذه المناطق البحرية التاريخية، وقدمت هذه الورقة مبادئ التصميم الحضري التي تجعل الواجهات البحرية التاريخية أكثر جاذبية ونجاحاً، وعرض الباحث دراسة حالة لعدة واجهات بحرية لمدن أمريكية مثل بالتيمور وميريلاند وسان فرانسيسكو وكاليفورنيا وساوث كارولينا. وقد تم اختيار هذه المدن الأمريكية بسبب التشابه بينها وبين ينبع البحر. وتتيح نتائج هذا الدراسة التحليلية للمخططين تطبيق أفضل هذه النماذج لتصميم الواجهات البحرية الحضرية للمساعدة في تنشيط هذه الواجهات، وخصوصاً التاريخية منها على طول ساحل البحر الأحمر الشمالي في المملكة العربية السعودية.
وتناول الأستاذ وليد الحملي «توثيق وإدارة التراث غير المادي ودوره في إبراز التراث الثقافي السعودي»، فالفولكلور أو المعارف الشعبية يُعد من أهم المصادر التي تُساعد على توثيق وحفظ التراث في أرجاء المملكة. كما أنه يساعد على دراسة التراث بشقيه المادي وغير المادي. فالتراث غير المادي غني بأصناف وأشكال تعبيرية مميزة تعكس تفرد كل مجتمع عن غيره. وتوثيق التراث غير المادي بأنواعه، ودراسته أكاديمياً يساعد على حفظ هوية المجتمع السعودي، وبالتالي يساهم في تطويره ونهضته. ويشمل التراث غير المادي الأدب الشعبي الذي يتضمن الشعر والحكم والأمثال والحكايات الشعبية. وتُعد منطقة جازان أنموذجاً، فتنوعها الجغرافي جعلها بيئة خصبة للتراث بجميع أنواعه. وقد كشفت الدراسات عن النهضة الحضارية لمواطنيها وصلاتهم بالشعوب المحيطة. إن علم الفولكلور علم غني يساهم في تبيان وتفرد كل شعب، كما يوضح أسس نهضته.
وتناول د. بدر الفقير في ورقته «الأبعاد الاستثمارية والاقتصادية للتراث الثقافي دراسة حالة في محافظة العلا». فالسياحة الثقافية تُعد أحد أهم قطاعات السوق السياحي العالمي، إذ يبلغ قوامه نحو 150 مليون سائح سنوياً، يعبرون الحدود الدولية للتعرف على ثقافات الأمم وحضاراتها. وتزخر أرض العلا بتراث ثقافي تخطى حدود الوطن، عندما أصبحت الحجر «مدائن صالح» ضمن قائمة منظمة اليونسكو للتراث الثقافي العالمي. وتضمنت الورقة ثلاثة محاور: الأول عن عبقرية المكان وما يتضمنه من عناصر المسرح الجغرافي لمحافظة العلا المحتضن للحضارات، ويعرض المحور الثاني لعبقرية الإنسان الذي أنتج هذه الموارد التراثية الثقافية والمادية، ويرسم المحور الثالث خارطة طريق لتفعيل دور موارد التراث الثقافي في التنمية السياحية.
حسني عبدالحليم عمار - أستاذ مشارك بكلية السياحة والآثار جامعة الملك سعود
hammar@ksu.edu.sa