ناهد باشطح
فاصلة:
«وأحسن، فإن المرء لا بد ميت
وإنك مجزي بما كنت ساعيا»
- شعر عربي -
ليس الأطفال وحدهم الذين يصرخون ويكسرون الأشياء عندما نرفض تلبية طلباتهم، هناك البعض الذي مهما وصل من العمر يظل سلوكه مثل الأطفال ولكن في صورة مختلفة عن البكاء وتحطيم الأشياء من حوله.
البعض دوماً يبكون على لعبتهم المكسورة، هؤلاء يُمكن تسميتهم بالشخصية الانفعالية ويظهر سلوكهم واضحاً في الانفعال ورد الفعل السريع (reaction) بمعنى أن نتعامل مع الظروف والمشكلات بطريقة ردة فعل سريعة بدون أي تفكير وتأمل للموقف بأكمله واختيار الرد المناسب لنا وليس للآخرين.
الطبيعي أن تغضب تجاه أي موقف لا يعجبك مثل شخص انتقدك أو يستغلك، وليس من الطبيعي أن تعبّر عن غضبك سواء بكبت المشاعر والهروب أو على الجهة الأخرى المتطرفة كسلوك العدوانية فتقتص منه بإهانته.
النضج في التعامل لا يعني ألا تغضب، لكن يعني أن لديك القدرة على ضبط النفس ورد الفعل المتروّي الذي يحقق روح المبادرة، أي (Proactive) بدلاً من رد الفعل الطفولي (reactive).
الآية الكريمة التي نحفظها ونرددها {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
تشتمل على منهج عميق لا يمكن للإنسان أن يتبعه ما لم يفهم أبعاد فعل المبادرة.
إذا كان لديك موقف ثابت ومقتنع بقيمة المبادرة في حياتك فإنك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتخذ سلوك الطفل الذي يبكي على لعبته ويخاف عقاب والديه.. والذي عادة لديه تفكير سلبي فهو يردد لست أنا من كسر اللعبة ويلقي التهمة على الآخرين، أو يختار كبت مشاعره والصمت والانعزال، أو يختار أن يصرخ ويكسر الأشياء أكثر ويعتدي على إخوته مثلاً.
من المؤسف أن هذا ما نفعله تجاه أي موقف نواجهه حين يسيء إلينا الآخرون بانتقاد جارح أو تصرف مزعج لنا.
المبادرة تعني أن أتعامل من وحي مبادئي وليس ردة فعل لسلوك الآخر، فإذا كان مبدئي السلام واخترت المبادرة في تعاملي مع الناس فمهما بدر منهم فإن مبدئي ثابت وهو الإحسان.
هذا منهج عظيم ولا نستطيعه إلا بتدريب النفس عليه وبخطوات معينة تتمثّل في أن لا نتسرع في رد الفعل ولا نكونه مهما حصل من الآخر من إساءة.
كمثال بسيط بدءاً علي التفكير في ماذا علي أن أفعل وليس التفكير فيما فعله الآخرون بي ثم علي أن أقاوم السلوك الطفولي الذي تبرمجت عليه من البيت والمدرسة والمجتمع أيًّا كان (انسحابياً، عدوانياً) ومن ثم أنتقل للمرحلة الأخيرة وهي استبدال طريقة تفكيري السريعة المتهورة إلى الأعمق حين أسترجع قيمي الإنسانية الثابتة ومنهجي الديني.