نعمة عظيمة، ومنةٌ من الرب كبيرة، من آيات الله، سر عجيب، أخبر الله بفضله، وأمر بالمحافظة عليه، وحثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاقتصاد فيه، وحرَّم تلويثه، إنه الماء، هبةٌ من الله، مادة الحياة، من أثمن الموجودات، وأغلى المفقودات، وبذله من أفضل الصدقات.
شرَّفه الله بأن كان عرشُه عليه(وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ). جعل منه الحياة فقال جل جلاله:{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}
والخلق قد خُلِقوا منه(وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ)، أخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ممَّ خُلق الخلق ؟ قال: «من الماء». قال ابن رجب رحمه الله:(حديث أبي هريرة يدل على أن الماءَ مادةُ جميع المخلوقات).
جعله رحمة على خلقه:{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}
بالماء يُـخرِجُ الله النبات والثمار: (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ).(فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ). قال الشنقيطي رحمه الله:(إنزالُ الماء من السماء فيه عجائب وغرائب، يجب على الإنسان تأملها...أيقدرُ أحد غيرُ الله تعالى أن يخلق هذا) (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
امتن الله بالماء على أهل الجنة فجعل لهم أنهاراً تجري من تحتهم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ),وقال سبحانه:(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ).
عاقب الله بالماء قوماً فأغرقهم، فقال سبحانه:(فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ).
حرّمه على أهل النار فقال سبحانه:(وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) ثم إذا استغاثوا سُقُوا ماءً حاراً يشوي الوجوه، ويُقطِّعُ البطون (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ )، (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ).
ولا يخفى أن الإسلام قد جاء بالمحافظة على الماء فحرّم الإسراف فيه (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، أخرجه البخاري ومسلم.
ونهى صلى الله عليه وسلم عن تلويثه ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ».
بل نهى أن يتنفس الشارب في الإناء متفق عليه. كل هذا محافظة على الماء.
فيجب علينا شكر الله على نعمة الماء، والحفاظ عليها، وعدم الإسراف، فنحن مسؤولون عن هذه نعمة، وهذا الهدر الذي نراه واقعاً في استعمال بعض الناس للمياه لا يجوز أبداً سواءٌ كان إسرافه داخل مُلْكِه أو هو كان في المرافق العامة.
لَمَّا نَزَلَتْ: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ». قَالَ الزُّبَيْرُ بن الْعَوَّامِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ نُعَيْمٍ نُسْأَلُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُمَا الأَسْوَدَانِ: الْمَاءُ، وَالتَّمْرُ؟ قَالَ:»أَمَا إِنَّ ذَاكَ سَيَكُونُ» أخرجه الترمذي وحسنه.
قال مجاهد رحمه الله في قوله :(ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) عن كل لذة من لذات الدنيا.
فهل سنحافظ على هذه الهبة العظيمة ونعلِّم أولادكم ومن تحت أيدينا الاقتصادَ وعدمَ الإسراف في الأمور كلها؟ هذا ما أرجوه.
- عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية