حُسنُ الخُلقِ أمر عظيم وذو أهمية بالغة حثّنا عليه شرعنا القويم وجاءت آيات كثيرة وأحاديث نبوية في هذا الصدد تحُثّنا على التحلّي بهذا الخُلق النبيل، ومعناه بشكل إجمالي حُسن التعامل سواء كان ذلك بطلاقة الوجه أو ببذل المعروف أو حتى بكف الأذى عن الناس، وحُسن الخُلق له أهمية كبيرة في ديننا الحنيف حيث إنّ الإسلام قد حثّ الناس على التحلّي بالخُلق الحسن، بل إنّ أفضل الأخلاق أخلاق الإسلام التي يجب أن يتمثّل بها المسلمون. ورسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو قُدوتنا ومعُلمنا الأول ومُرشدنا إلى طريق الحق والصواب. {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}.... الآية.
حُسن الخُلق يكون بحلاوة اللسان واحتمال الأذى والصبر عليه وقد كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قد أوصى أبوهريرة بوصية عظيمة ذات يوم فقال له -صلى الله عليه وسلم- (يا أبا هريرة عليك بحُسن الخُلق) فقال أبو هريرة للنبي -عليه الصلاة والسلام- وما حُسن الخُلق يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام أن تصل من قطعك وأن تعفو عمّن ظلمك وأن تُعطي من حرمك). حث الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- المسلمين عامّةً بهذا الحديث على أن يتخلّقوا بالأخلاق الطيبة الحميدة وأن يُعاملوا الناس بالحُسنى، حيث وضّح -صلى الله عليه وسلم- مكارم الأخلاق للناس، التي هي من أهم وأجمل الصفات التي لازمت الأنبياء والصّديقين والشُهداء والصالحين، فيها ينال أصحاب الصلاح الدرجات وبها تُرفع مقاماتهم في الدنيا والآخرة.
خصّ المولى -عزّ وجل- آخر الأنبياء سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بهذا الفضل الكبير وهو فضل جمع محامد الأخلاق ومحاسن الآداب فقال الله -عزّ وجل- في مُحكم كتابه العزيز: واصفاً حبيبنا وشفيعنا سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بقوله {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
وقد دلّت هذه الآية الكريمة على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد تحلّى بهذه الأخلاق الحميدة والفاضلة وقد استطاع أن يجمعها في شخصيته عليه الصلاة والسلام، وجاء في الحديث، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال (بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق).
حتى يكون الإنسان صاحب خُلق حسن يجب أن تتوافر فيه صفات عدة وكثيرة وقد تكون أميز هذه الصفات الاتصاف بالحياء وذلك لأن الحياء يحكمُ صاحبه، فتعُفّ نفسه عن فعل ما يخدش هذا الحياء الذي اتّصف به، ومن صفات صاحب الخُلق الحسن أن يكون قليل الأذى ومعناه عدم القيام بإيذاء أحد من الناس وأن يكون كثير الصّلاح وصدوق اللسان وهاتان الصفتان من أهم الصفات التي يجب أن تتوافر في صاحب الخُلق الحسن.. ومن أهم الصفات التي يجب أن تُلازم صاحب الخُلق النبيل أن يكون قليل الكلام وكثير العمل، قليل الزلل والفضول، أن يكون أيضاً باراً بوالديه واصلاً لرحمه وللصالحين من حوله، وأن يكون وقوراً وصبوراً، حليماً وراضياً وشكوراً وألا يكون لعّاناً ولا فحّاشاً ولا نمّاماً ولا حسوداً ولا مُغتاباً، وأن حُبه لله وكُرهه من أجل الله -عزّ وجل- وأن يكون غضبُهُ من أجل الله وأن يحرص على رضى الله تبارك وتعالى.
الأخلاق هي الصفات الأساسية التي حث عليها المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فديننا دين الأخلاق والتسامح ونبينا القُدوة والمَثل الأعلى بالأخلاق، فهي ثمرة الإيمان لأنها تنبع من عقيدة راسخة متينة وقلب سليم، وهي أساس التعامل بين الناس، وهنا أجمل ما قيل عن الأخلاق، إن الله جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلاً بيننا وبينه، قال علي بن أبي طالب إن كان لا بد من العصبية فليكن تعصُبّكم لمكارم الأخلاق ومحامد الأفعال، صلاح أمرك للأخلاق مرجِعُه فقوّم النفس بالأخلاق تستقِمِ، من علامة حُسن الخُلق يستر كثيراً من السيئات، كما أن سوء الخُلق يُغطي كثيراً من الحسنات، المرء بالأخلاق يسمو ذكره وبها يفضل في الورى ويوقرّ، أخلاقياتك هي رصيدك عند الناس فأحسن عملك وخُلقك تكن أغنى الأغنياء وإن أردت الإشهار بأخلاقك فسوء خُلقك يؤدي بك إلى ما لا يُحمد عُقباه، نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة والعافية وأن يُجملّنا بحُسن الخُلق وأن يُجنبنا سوء الخُلق.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.