كثر تداول بعض المواقع الإلكترونية في الآونة الأخيرة لموضوعات تختص بنصائح عن كيفية كتابة الشعر وحددت تلك النصائح بأرقام محددة وذيلت بعناوين منها: كيف تكتب قصيدة؟ بل أمعنت بعض تلك المواقع في تخصيص النمط المكتوب مثل: كيف تكتب قصيدة عمودية،كيف تكتب قصيدة تفعيلية، أو قصيدة نثر، وقد تبحر تلك الروابط والمواقع الرقمية التفاعلية في الموضوع أعمق من ذلك لتحدد الفروقات الداخلية بين الأساليب الفنية في الشعر طرق التمكن من تكثيف الصور الشعرية. ومع النظر إلى كم الرسائل التي تأتي إلي بواسطة بعض وسائل التواصل الاجتماعي عن: كيف أكتب شعراً ؟، أو عن: رأيي في كتابة ما، يبعث بها أحدهم إلي؟ فلم أعد استغرب الأمر إزاء استثمار تلك المواقع حاجة المتلقي إلى مثل تلك النصائح الكتابية والشعرية.
ويوحي إلي مدى الإقبال الملحوظ على تلك النصائح عن الشعر وفلسفته وأبجدياته، بمدى الحاجة الإبداعية الماسة لدى الواعدين إلى تلك النصائح بشكل مستمر وتلوح لي في الأفق بداياتي الأولى للكتابة التي كانت عام 1984 ومدى تعطشي آنذاك وحتى اليوم، إلى المشورة والنقد والتوجيه. ولذلك فإنه عند طرح أسئلة من هذا النمط علي فإنني أقع بين حيرة من أمرين هما: كيف لاأجيب من يطلبني المشورة؟ وبين: بماذا سأجيبه؟ خاصة وأنني صريحة وحادة وربما قاسية في التعبير عن رأيي حول المكتوب، ولذلك فأنا كثيرا ما أعتذر أو أؤجل وأتنصل عن القيام بهذا الدور أحياناً ربما لثقتي بأنني لا أمتلك القدرة الكافية على التقييم اللائق وخشية القسوة على أولئك الذين يحاولون أن يكونوا ما يحبون فأبخسهم هذا الحق برأيي الذي ربما كان غير منصف وموجع يؤثر تأثيراً سلبياً في وعي أولئك الناشئين.
ولعل مثل هذا التهافت على طلب التوجيه نحو كتابة واعدة يفتح ملف صفحات الإبداع الواعد الناشئ الذي يحاول أن يتلمس خطاه ولا يجد من يعينه على ذلك في صفحات الجرائد فقد بدأت مثل هذه الصفحات تندثر في الصحافة المحلية التي كانت في مرحلة من المراحل البوابة النموذجية لاكتشاف كثير من الأقلام التي اشتهرت وعرفت الآن.
ويهمل النقاد مثل هذه النوعية من الكتابات على اعتبار أنهم لاتكتبون الا عن الظواهر ولا يستند نقدهم إلا على النظريات المتأسسة على إبداع حفر أثره واشتهر إلى حد ما. لذلك فلا نعجب إذا ما لاحظنا كثرة الكتب والكتابات المترهلة الضعيفة التي لا يمكن التعويل على صلاح عملها الكتابي من عدمه بالاستناد إلى دور ناشر أو دار نشر لاتعمل الا بهدف تجاري بحت. وفي هذا الصدد يبرز دورالاندية الادبية التي تقوم لجان الإصدارات الأدبية في بعضها بدور ممتاز في تنقيح الكتاب قبل طباعته ولكن دورها يبقى دوراً محدوداً بمن يملك إصداراً لا بضع كتابات تنتظر التوجيه وتتطلع إلى التطور إبداعياً.
أعلم أنه ربما كان النقد الانطباعي ذا توجه شخصي وربما انه نقد انفعالي يخرج عن الحياد أحياناً لأنه يعتمد على الذائقة الفردية ومدى تجاوبها مع النص . إلا أنه تظل هناك حاجة مستمرة ورغبة لدى المتلقي والكاتب في مثل هذا النوع النقدي الذي يشبع إلى حد كبيرفضول الجمهور القارئ وحسه بمايستثيره فيه من فضول إيجابي ونحوه. ولذلك فإنني ممن يطالب بعودة النقد الانطباعي الى الساحة الأدبية مجددا لأجل المتعة التي يمحها للمتلقي وللكاتب الواعد كذلك وللخبرة التي تتغير مع الوقت لدى الناقد وتزداد مرونة وقابلية وتتحر من منظورها الشخصي والفردي إلى ماهو أبعد من ذلك.
- هدى الدغفق