لا شك أن الشعوب المختلفة تتفاوت في مستوى تطورها الاقتصادي والاجتماعي, فكيف يمكنها إذن أن تنضوى في لواء عولمي واحد؟
يقول ماركس في (المنيفيستو 1847م) بعنوان برجوازيون وبروليتاريون (والبرجوازية باستثمارها السوق العالمية, طبعت الانتاج والاستهلاك في جميع البلدان بطابع كوني, وانتزعت من تحت أقدام الصناعة أرضيتها القومية....
فمكان الحاجات القديمة, التي كانت المنتجات المحلية تسدّها, تحل حاجات جديدة تتطلب لإشباعها منتجات اقصى البلدان والأقاليم...وتقوم تبعية شاملة بين الأمم...وما ينطبق على الانتاج المادّي ينطبق أيضاً على النتاج الفكري. فالنتاجات الفكرية لكل أمّة على حده تصبح ملكاً مشتركا. والتعصب والتقوقع القوميان يصبحان مستحيلين أكثر فأكثر. ومن الآداب القومية والإقليمية ينشأ أدب عالمي
والبرجوازية.....وبالتسهيل اللامتناهي لوسائل المواصلات, تشد الكل حتى الأمم الأكثر تخلفاً الى الحضارة) (ترجمه من الألمانية د. عصام أمين – الموسوعة الحرة)
بدايةً أودّ أن أشير الى أن الصراع بين التخلف والتقدم يجري في كل المجتمعات بدون استثناء. كما أن هذا الصراع يتعدى حدود الدولة الواحدة الى الإقليمي والدولي, فالثورة الفرنسية حدثت في فرنسا, ولكنها شملت أوروبا كلها كإقليم ثم انتشرت تعاليمها للعالم أجمع فيما بعد.
بالرغم من أن مستوى التطور في أدنى مستوىً له عند بعض الشعوب الأفريقية او الآسيوية او غيرها, والحداثة كآلية تطور لم تتصدر الصراع العالمي بعد, إلا أنه لا يوجد شعب بمعزل عن الحداثة ولو بنسب متفاوتة.
يوجد لكل فرد في أي مجتمع خصوصية, أي له اسم وتاريخ ميلاد وعمر وعائلة ومجريات حياتية خاصّة به, ولكن توجد من ضمن خصوصيته عناصر يشترك فيها مع أفراد آخرين, سواءً في مجتمعه او المجتمعات الأخرى.
العناصر المشتركة تلك تسمى عمومية, أي أن خصوصية الفرد ليست شرنقة ينمو بداخلها او يموت, وهي لا تمنعه من المساهمة في عمومية اجتماعية.
الأمر ذاته ينطبق على خصوصيات الشعوب المختلفة, والتي تشترك في عمومية عالمية متنامية.
خصوصية أي فرد بعمر 6 سنوات تختلف عن خصوصية ذات الشخص بعمر 15 عاماً او 30 عاما او 50 عاما..وهكذا, والأمر ذاته ينطبق على الشعوب أيضاً, فالخصوصية ليست ثابتة وهي في تفاعل تطوري مستمر مع الخصوصيات الأخرى, لتنتج عمومية مشتركة بين الجميع.
إلباس الخصوصية لباساً مقدساً وتحويلها الى عصا مسلطة ضد التطور هو موقف سلبي في الصراع القائم ولا يجوز تناوله وكأنه واقع لا مفر منه.
لم تنتهك خصوصيات الشعوب طوال التاريخ كما انتهكها الاستعمار, وفي نفس الوقت روج أن الخطر السوفيتي موجه ضد الدين وخصوصيات الشعوب! وأن الاستعمار هو حماية للخصوصية والدين من (الغزو الثقافي), ثم يستخدم الدين لذبح أي محاولة للإنفكاك من هيمنته, ثم يسطو على الوعي ويروج للمخدرات الفكرية والانحلال الخلقي ويسمي ذلك - ليس غزواً ثقافياً - إنما حداثة!
المجتمعات البشرية كلها مكونة من أفراد غير متماثلين, لكل سلوكه ومسار حياته او (خصوصيته), ولم تمنعهم خصوصياتهم من تقسيم العمل وتكوين الدولة. كما أن لكل مجتمع او دولة خصوصيتها, ولن تمنعها من الدخول في تكوين عالمي واحد يكون عوناً لها للمساهمة في تكوين عمومية مشتركة تسمى عولمة.
اشاع الرأسمال إبان الحرب الأولى أنه قادم للشعوب المتخلفة من أجل إحلال المدنية! وفي طياته قهر ونهب, وأشاع في الثانية إحلال الديمقراطية! وفي طياته مافيا تربط مصير الشعوب بمصلحتها فقط, وفي الحرب الباردة الخطر السوفيتي! وفي طياته استباحة الأراضي والسواحل والأجواء لقمع أي نهضة شعبية في أي مكان, وفي الحرب (الثالثة) الجارية (استعادة الخلافة!) وفي طياته تدمير البشر والحجر والشجر والتاريخ والجغرافيا لخنق التغيير الذي لا مفر منه.
لم تعد الدول النامية مجرّد إمعات تجرها المافيا الرأسمالية كالخراف حيث مصالحها الأنانية, إنما أصبحت بإرادتها او رغماً عنها جزءاً من تطور عولمي متصاعد, يرسم أبعاده قطب عالمي متهالك تقوده الولايات المتحدة الامريكية, وقطب صاعد تقوده روسيا والصين يثبّت أسساً عولمية انسانية جديدة تزيل اللجام الأميركي لعملية التطور.
الى متى نبقى نحن شعوب الدول النامية او (النايمة) نعتقد أن الإرادة الأميركية لا مرد لها؟ وان خصوصياتنا لا تؤهلنا أن نكون بشراً؟ ونصدق الأكاذيب المافيوية؟ ويدب اليأس فينا كالسرطان؟ بالرغم من الأساطير التي يرسمها الأطفال الفلسطينيين والسوريين والعراقيين وغيرهم؟ ولكن يعزيني ما يقوله الشاعر تميم البرغوثي:
قل للعدو أراك أحمق ما تزال
فاوضهم على ما شئت واطلب منهم وقف القتال
أدري بأنك لا تخاف الطفل حياً
إنما أدعوك صدقا أن تخاف من الصغار الميتين
- عادل العلي