لقد صنعت النساء تاريخيـا بقـدر مـا صـنع الرجـال ، لكـن تـاريخهن لـم يسـجل ولـم ينقـل ،وربمـا كتبـت النسـاء بقـدر مـا كتـب الرجـال ، لكـن لـم يـتم الاحتفاظ بكتاباتهن ، وقد خلقت النساء دون شك من المعاني بقدر ما خلق الرجال ، لكن هـذه المعـاني لـم يكتب لها الحياة، حين ناقضـت المعـاني النسائية المعـاني الذكورية ولـم يـتم الاحتفاظ بهـا، وبينمـا ورثنـا المعـاني المتراكمة للتجربـة الذكورية .. ضاعت معانينا النسائية !
إن المتابع لحال القصص والروايات السعودية الحالية يلاحظ اختلاف صورة المرأة السعودية عن السابق للأفضل، رغم أن صورتها الروائية لا ترقى للواقع بتاتاً، إلا إننا لا نستطيع إنكار التغيير، الروائي لطالما اختصر المرأة في صورة محدودة بسيطة، لا تخرج اهتماماتها عن بيتها وأسرتها، صوّر الأم التقليدية البسيطة، واختصر صورة العشيقة المتهورة الباحثة عن فرصة فقط للقاء الحبيب، وزوجة الأب هي المرأة الشريرة، يوجد في الأدب لدينا فقر في العمق الإنساني، وبساطة في التحليل من ناحية الروائي والقاص الذكر تجاه المرأة، ربما هذا ينمّ عن جهل الرجل لدينا بطبيعة المرأة وطبيعة تفكيرها ومشاعرها وأحلامها، وهذا أراه طبيعيا في مجتمعنا المحافظ، لكن الخطأ أن يتم ترسيخ المرأة بهذه الصورة النمطية الساذجة، فلا يوجد خير مطلق في إنسان ولا شر مطلق ، فالإنسان مجموعة صفات وتراكب نفسية عميقة.
إذن كيـف يتسـنى للمرأة الآن تكسـر جـدار الصـمت بـالمحيط الخاص بهـا ؟ خاصـة الآن كـان لــديها نيــة للتقارب مـن عـالم الرجولة وعـالم الكتابـة والـذي جـرى تخويفهــا منه حسـب القـانون التاريخي الذي يمنع المرأة من تعلم الكتابة !
أن التعليم هو أولا وأخيرا نقطة الانطلاق لتقدم المرأة وأيضا وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بطرح الكثير من الأسئلة عن سيطرة العادات والتقاليد واعتبارها امتدادا للدين, وذلك يطرح فكرة حتمية التغيير بالتدرج دون تغيير للهوية الإسلامية والعربية لأن الرقي بالأمة يستدعي الرقي بالمرأة أولا.
فالتعبير عن النفس حق فطري للمرأة لا يملك أحد حق مصادرته وحق التفكير حق أساسي لتنشئ جيلا واعيا, فالمرأة ليست مجرد جسد بل عقل مبدع وروح خلاّقة.. وهذا ما جعل المرأة الكاتبة تنفر من مصطلح «الأدب النسائي» لأنه يحمل التهميش والدونية والعنصرية فالأدب يرفض التصنيف على حسب الهوية الجنسية..
كتبت «فرجينـا وولـف «الكثيـر عـن كتابـة النسـاء وتعتقـد الآن النسـاء واجهـن دائما عوائق اجتماعيـة واقتصـادية تحـول دون طمـوحهن الأدبـي، وتبـين وولـف الآن الفقـر وغياب الاستقلال المـادي يعــوق الإبداع، فتكشـف لنا القــيم الماديـة والمعنويـة التي عانـت منهـا المرأة الكاتبــة فــي مراحل شــتى, وهـي عـدم القـدرة على تلقي القـدر المناسـب مـن العلم و قلة الفرص, ومشقة الأعمال اليومية المنزلية ومسؤوليات الأمومة وغيرهـا مـن القيـود .
في كتاب» المرأة واللغة» ،يقول عبـدالله الغـذامي : « إلا أن الأبـرز صـورة ظهـرت بها المرأة فـي زمن ما قبل الكتابة هي صورة شهرزاد بطلة « الألف ليلـة وليلـة» ،حيـث لـم تكـن تحكـي وتـــتكلم أو تؤلـف فحسـب ولكنهـا كانـت أيضا تواجـه المـوت مـن جهـة، وتـدافع عـن قيمتهـا الأخلاقية والمعنوية مـن جهـة أخرى، ولــم يكــن للمرأة فــي زمــن الحكي سوى اللسان وسـيلة وأداة اتصال، بينما كان يســتعمل الرجل اللسـان للخطابـة والاتصال الجمـاهيري،كانـت هـي تحكـي فـي مجـال محـدود مثـل لسـان شهرزاد الـذي يتجـه إلى مســتمع محـــدد ، وهـذا هــو المجال الأنثوي بحـدوده المرسـومة والمقررة ، وعندما شاءت المرأة أن تمد يدها إلى القلم، وتكتب فلأنها بهذا تخرج من زمـن ألحكي وتتحـول من كائن مندمج إلى ذات مستقلة تتكلم بضمير الأنا وبالخطاب النهاري المكشوف.»
إلا أن الـنص النسـوي هـو ذلك الـنص الـذي يعبر عـن التجربـة الخاصة التي تعكـس واقـع حياة المرأة ويتـيح المجـال الواسع لتعبيــر ذاتي ومباشر غيـر مقيـد بالمفـاهيم التقليديـة و المعايير الذكورية ، وتندرج مصطلحات الحركة النسائية والفكر النسوي ضمن مفهوم النسـوية الـذي يشير إلى الفكر الذي يعتقد ان مكانة المرأة ادنى من تلك التي يتمتع بها الرجل في المجتمعـات التي تضع كلا الجانبين ضمن تصنيفات اقتصادية او ثقافية مختلفة ، فالمرأة في نظـر النسويين تعامـل بقـدر المسـاواة و تحصل علــى حقوقهـا فـي مجتمعـات تـنظم شأنها وتحــدد أولوياتها وفـق رؤية الرجـل واهتماماته « النســوي توجــه فكـري ,لقـد وضعت بعـض المناظرات بعـض المقـاييس علـى الـنص الإبداعي لقبوله نسـويا سـواء كتبه رجـل ام امرأة , ومـن هـذه المقاييس : ان يتنــاول قضــايا المرأة جميعهــا، و أن يــزود المرأة بنمــاذج إيجابية تقتـدي بها، وان يشـجع تضـامن ال نسـاء وينشـر الـوعي النسـوي عنـد المتلقـي ، ومـن اشـهر الكتـب التي نظرت فـي هـذه المقـاييس كتاب كيـت ميليـت «k.milet» «السياســـية الجنسانية» وكتاب «ماري المان» «E.marie» «التفكيــربالمرأة»
إن الأنوثة بمعناهـا العام لا تقـوم على اساس معـين ينطبق على النساء كافــة ، وإنما على اسس كثيرة تعتمد على تباينات فيما بينهن ، وعلى اخـتلاف تجـاربهن ، فـي حـين ان الفكـر واحـد وان أنتجته قرائح مختلفــة جنسيا اوعرقيا اودينيـا ، وعامــل الجــنس لــيس بذاتــه عامــل ابــداع , من هناعادت مناظـرات الفكـر النسـوي إلى محاولة تعمـيم وعـدم تحديـد مصـطلح الإبداع النسوي فقد رأت «هيلين سيكسوس» أن الابداع الأدبي يمكن تنظيره او تشـفيره ، وهـو موجـود سوف يتخطـى الخطـاب السائد ، وسيكون في منـاطق خـارج المنطلـق الذكوري.
إن الخجل والعار الذي ساد في السـابق والمقارنة والتفريق بين ما تكتبه النساء وما يكتبه الرجال ، اثّر على أدب المرأة، وأدى إلى اغفالة واشتقاق النظريات الفنيـة . لذلك دعـا « كيليـت مييلـت» إلى ادارك الفـارق المهـم بــين «الجـنس» و«الهويـة الثقافيــة» ، حيــث أهمية التمييـز بــين المصـطلحين، فــالجنس يحــدد بيولوجيا أما الهويـة الجنســية فهي مفهـوم ثقـافي مكتســب.
لقد آمنـت «فرجينيـا وولـف» انـه على النسـاء دائما مواجهـة العوائق الاجتماعية والاقتصادية التي كانـت تعيق طموحـاتهن الأدبيــة،ومن هـذه العوائق تحـريم التعبير عن الجوانـب العاطفيــة التي تمنع الكاتبة مـن قـص حقيقـة تجاربهـا، واتجهـت فرجينيـا وولـف فـي تعبيرهـا عـن افكارهـا إلى نمـط السـيرة الذاتيـة أو إلى ألحكي أو القصّة وتـدوين أدق التفاصـيل.
- أحلام الفهمي