أحسن نادي المنطقة الشرقية الأدبي بتنظيمه المميز لملتقى الكتّاب السعوديين الثاني؛ إذْ جمع خمسين كاتباً وكاتبةً من مختلف التخصصات ليتبادلوا الخبرات والهموم؛ وقد جاء هذا الملتقى إيماناً من مجلس إدارة النادي بأن الكتابة من أبرز الوسائل التي تنتشر بها الثقافة والمعرفة،
وثقة منه بأنها جندي من جنود هذا الوطن، ولسان صادق للمجتمع يعبر عن قضاياه وهمومه، وهي ذات أثر ملموس في نشر الوعي فيه، ولهذا اختار أن يكون المحوران اللذان يدور حولهما الملتقى هما: الكاتب والأحداث الوطنية الكبرى، والكاتب والأحداث الثقافية، وهما منطلَقان في غاية الأهمية. وقد كانت المبادرة مهمة أيضاً؛ لأنها جاءت في وقت لم تعد الكتابة الصحفية فيه تتمتع بوهجها الذي عُرفَتْ به؛ إذْ زاحمها كثير من وسائل التواصل الاجتماعي، وسلبها بعض إشعاعها، خاصة أن تلك الوسائل هي أوسع حرية وأكثر انفتاحاً بحكم الرقابة التي تخضع لها الصحافة؛ فصارت الوسائل بهذا أكثر جاذبية وأشد تشويقا.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن من يلاحظ ما يكتب في الصحافة يجد أن الضعف يغلب على بعضه على مستوى الأفكار، وعلى مستوى العرض، وقد يعتذر بعض الكتّاب لأنفسهم في ذلك بأن هذه هي طبيعة المقالة الصحيفة.
وإذا كان من شيء يُنعى على بعض الكتّاب الصحفيين فهو تسطيح الطرح تسطيحاً يجعل المقالة شبيهة بالخبر الصحفي، ومن شأن هذا التسطيح أن يصرف نظر القارئ عما يُكتب في الصحافة بشقَّيها: الورقية، والإلكترونية؛ فتفقد المقالة بهذا جزءاً من جمهورها، ثم قدْراً من تأثيرها. وحقيقٌ بالكاتب أن يحاول تحليل الأسباب، ويكلّف نفسه عناء إيجاد حلول للقضية التي تدور حولها مقالته، وإن لم يُعرض القارئ عنها فإنها لن تقدم له أفكاراً عميقة، وترفع من مستوى الوعي لديه، بل ستظل تحوم به عند القشور في القاع. وإن مهمة الكاتب التنويريةَ تقتضي منه أن ينأى بقلمه عن مزالق التراشق والتصنيف والتخوين؛ لئلا يظنّ المتلقي أن هذه المقالة إنما هي صورة مجتمعنا السعودي، وظلال وسطنا الثقافي، وانعكاس مشهدنا الحواري، بل ينبغي للكاتب أن يرتفع عن مزالق المناكفات التي يمكن أن تقع بين فريقين ويتجاهلها، خاصة إذا كانت منطلقاتها شخصية، أو لا طائل منها سوى ازدياد الفجوة، وارتفاع الأصوات؛ لكي نُميت الباطل بالسكوت عنه. وعلى الكاتب ألا يظنّ أنه يجب أن يكون له رأي في كل قضية، وسهم في كل شأن، وحديث في كل أمر، بل عليه أن يثق تماماً أنه مُطالَب بأن تكون كتاباته بحسب تخصصه، فكما أنه لا يُقبل من شيخ مثلاً أن يتحدث عن الأمور الهندسية إذا كان غير متعمق فيها؛ فمن غير المقبول كذلك أن يتحدث المتخصص في شؤون الرياضة عن القضايا المتعلقة بالدين، فـ»لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف».
هذا من حيث الأفكار. أما من حيث الصياغة فإن الألفاظ والتراكيب هي لباس المعاني، والمأمول من الكاتب أن يبرز أفكاره في لباس جميل يزيد أفكاره حسناً ووضوحاً، ولا يشينها أو يقدمها مشوهة.
إن القلم أمانة، والكتابة مسؤولية، وقد بذل المنظمون ما بذلوا وهم على يقين بأن هؤلاء الخمسين كاتباً قادرون -إن شاء الله- على إحداث نقلة في الكتابة تعيد لها وجهها المشرق، وقيمتها الرفيعة، ولا شكّ أن هؤلاء الكتّاب واعون أن الكتابة مصدر من مصادر التوعية والتنوير، وأداة فاعلة في توثيق اللحمة الوطنية، وتمتين نسيج المجتمع، والمؤمَّل من هذا الملتقى وقد نُظّم تنظيماً مميزاً أن تكون مخرجاته مميزةً أيضاً، وأن يصبح نقطة انطلاق تستعيد به الكتابة إشعاعها، وأثرها في إضاءة الطريق للمجتمع، ودورها في معالجة القضايا الوطنية، وأن يكون الكاتب رقيباً على نفسه، ويستحضر أبداً أنه مسؤول أمام الله ثم أمام نفسه ومجتمعه عن كل ما يصدر عن قلمه، وأن يسخّر كتاباته لتصبح أداة بناء للمجتمع والوطن، لا معول هدم، ومشرط تمزيق.
- د. سعود بن سليمان اليوسف