(1)
منذ ليلة افتتاح مهرجان «الأفلام السعودية» في فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام في نهاية شهر آذار/مارس الماضي، والأفلام التي تتناول ظاهرة الإرهاب ملاحظ حضورها وبقوة، إذ شمل عرض الافتتاح على فيلم «ران على قلوبهم». وخلال أيام المهرجان الذي استمر أربعة أيام متواصلة، تم عرض أفلام أخرى تتناول ذات الموضوع. ولعل أبرزها، بخلاف فيلم الافتتاح، فيلمين آخرين، وهما: «أمنون»، و»الآخر».
ومن نافلة القول قبل الشروع في الحديث عن تلك الأفلام، أن نشير أن المقام لا يحتمل كمية مزايدة وطنية في توضيح أن فعل الإرهاب الواقع، محليا وعربيا، مرفوض في تداعياته وأسبابه، وبالتأكيد في نتائجه. وهذا التنويه حتى يتم الفصل ما بين نقد أفلام تتناول شأنا حساسا كالإرهاب، بوصفها أعمال فنية، وبين موضوع تلك الأفلام، فهذا شأن وذلك شأن آخر. مع التأكيد أن التقاطع الجاري نقده نابع من تلك الأفلام يتمحور حول سؤال: هل تتعارض فكرة تمرير الرسائل مع تقديم عمل فني له مقومات العمل الناجح؟.
(2)
تمهيدا يجب أن نشير إلى جنينية التجربة السينمائية السعودية، وأنها لازالت حتى اللحظة تتطور؛ بخاصة وأنها رغم المهرجانات في المؤسسات الثقافية المختلفة، والتواجد الإعلامي في المنصات، إلا أنها لا تحظى بالاعتراف الرسمي الذي يمهد توفر فرص سبل الدعم لها، سواء المادية أو اللوجستية، لتتحول السينما في السعودية إلى صناعة متكاملة الأطراف. هذا الحضور الأعرج يجب أخذه بالاعتبار حتى تتم مراعاة ظروف تنفيذ فيلم في مثل هذه الأجواء، ما يجعل النقد منصبا حاليا على المحتوى في المقام الأول، أكثر منه في نقد الإمكانيات والوسائل التي ليست متوفرة على مستوى واحد لكافة المشتغلين في هذا المجال. ومع ذلك فإن المفارقة بالأفلام المشاركة في تناول ظاهرة الإرهاب بالمهرجان، كانت تحظى بالدعم وتم تذليل الصعاب لها، إما لكونها نفذت بدعم من جهات تكفلت في تمويلها، أو لكونها صورت خارج الحدود ومن طواقم مساعدة لها خبرة في العمل السينمائي. وهذا المنحى بحد ذاته يزيد من اللوم على منفذيها في عدم استثمار ما اتيح لهم من إمكانيات، والتي غالبا لا تتوفر لغيرهم ممن يضطرون للبذل من جيوبهم من أجل تنفيذ المادة الفلمية.
عدم الاستثمار هذا يطرح تساؤلات جوهرية في طريقة معالجة هذا الملف: هل نحن لازلنا حتى الأن نجهل أزمة الإرهاب، في تكوينها وتشكلها ضمن سياقات الأزمات الإقليمية والدولية، لذلك نجهل الحلول التي من الممكن توظيفها سينمائيا؟ أم أننا حتى اللحظة ننظر إلى الإعلام في هذا الموضوع تحديدا كوعاء جامد لا يستطيع إلا تقديم رسائل مباشرة ضمن ثنائية الصواب/الخطأ، ما يجعله وعظيا وليس عملا فنيا يؤثر في الناس ويلامس تشكل وعيهم وقناعاتهم باتجاه هذه القضية؟.
(3)
المعالجة الإعلامية التي قدمها الإعلام السعودي في تناول هذه الظاهرة عكف على خلق مسارات محددة، أغلبها تقدم الجهود الأمنية في محاصرة تلك الأعمال والأنشطة، أو في فتح المجال لخطاب ديني يقوم على دحض الجانب الشرعي الذي تقدمه تلك التنظيمات المسلحة، كرؤية لتبرير عملياتها. أمام هذه الخارطة الإعلامية: هل السينمائيين السعوديين ملزمين باتباع ذات الخطوات أم خلق مسار إبداعي فني يخصهم ويخص عناصر قالبهم الذي يتحركون فيه؟.
بالتأكيد أنهم مطالبهم بالابتكار في طرح القضية. وهذا ما لم تستطع الأفلام المشاركة في تقديمه، مع استثناء فيلم «الآخر». فالفلمان المشار إليهما سابقا، عمدا إلى طرق الموضوع مباشرة وبدون أي مقدمات درامية أو تسلسل للأحداث، كما لو كانت هي دعاية توعوية بالمقام الأول. ففيلم «ران على قلوبهم» عمد منذ ثوانيه الأولى أن يضع المشاهد أمام القضية عبر حواري بين طرفين، وسرعان ما انتقل الحوار إلى باحات أحد المساجد الذي شهد انفجار إرهابي، واختلاق حواري افتراضي مع منفذ العملية. الحوار إضافة إلى مباشرته، كان يخلو إلى أي حالة إبداعية، فهو أقرب ما يكون إلى مناظرة دينية تقوم على الأخذ والرد بالنصوص والمفردات التراثية. ومع نهاية خرج بطل الحوار من المسجد، ومنها خرج الفيلم من ذاكرة مشاهديه الذين لم يجدوا جديدا فيما قدم بخلاف ما يشاهدونه ويطلعون عليه في الصحف والقنوات الفضائية.
لنأخذ العمل الآخر، وهو «أمنون» والذي يقوم على تبسيط فكرة اعتناق فكر هذه التنظيمات، فبحوار يتيم يتحول شخص إلى معاد للأمن ويقدم نفسه لتنفيذ عملية انتحارية بداخل أحد المساجد. والفيلم الذي استخدمت فيه مؤثرات بصرية وسمعية هائلة، عجز عن شد انتباه المشاهدين الذين أخذوا في الخروج من القاعة، ليس لكون هذه القضية لا تهم، ولكن لكون الحبكة تفتقر لعملية الجذب، وتتعامل مع المتلقي على قاعدة: «أنت تعرف ما جرى من إجرام، ولكننا سنحكي لك القصة من جديد».
هذين المثالين نقضهما فيلم «الآخر»، والذي أيضا وضع المشاهد على طاولة الدمار في مشهده الأول، ولكنه وضع حبكة درامية أخرجت العمل من كونه يتناول قضية الإرهاب إلى حبكة تقوم على المفارقة وإدهاش المتابع كي يتعاطف مع الموقف من نظرة إنسانية، وليس أمنية أو شرعية. وهذه هي وظيفة السينما والفن عموما. فهو يؤثر فيك ويجعلك تتشرب القناعات، ولكن بطريق ناعمة ومشوقة، وليست وعظيه مباشرة تفقد المشاهد رغبته في المتابعة.
لاشك أن من نفذ هذين الفيلم كانا على قناعة بأهمية الموضوع، وهو الإرهاب، ولكن لا يعني سمو أي موضوع هو بالتالي سمو لطريقة معالجته وتنفيذه، سواء كان ذلك في عمل مكتوب أو مرئي. على السينمائيين السعوديين الذهاب بهذه المساحة إلى طور فني جديد، لا نسخ مكررة من معالجات ليس لها أية علاقة بالفن كأداء ووسيلة في مخاطبة الجهور الواعي.
- عبدالله الدحيلان