الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
دأبت الكثير من الأسر السعودية على إنشاء «الصناديق العائلية»، وهي سنة حميدة تزيد من الترابط الأسري والتلاحم، وتزيد البناء لحمة وقوة وتحاباً، ويتحقق من خلالها التواصل، وصلة الأرحام، وصلة ذوي القربى بالمعروف تحقيقاً لتعاليم ديننا الحنيف الرامية إلى التعاون على الخير.
وقد أقرّت وزارة الشؤون الاجتماعية اللائحة التنفيذية للصناديق العائلية ضمن نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الجديد.. وكيف يتم ترسيخ أهمية الصناديق العائلية في المجتمع، وأثر ذلك على التكافل الاجتماعي؟ وآلية العمل وتطويرها. كانت تلك المحاور التي طرحناها على ممّن لهم خبرات ورؤى في أعمال الصناديق الخيرية.
مفاهيم التواصل
بدايةً يستهل الدكتور خالد بن عبدالعزيز الشريدة الأستاذ المشارك بقسم الاجتماع في جامعة القصيم حديثه بقول الله تعالى: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ }، وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (والذي بعثني بالحق لا يقبل صدقة من رجل وعنده قرابة محتاجون لصدقته ويصرفها إلى غيرهم، والذي نفسي بيده لا ينظر الله إليه يوم القيامة...) ويعد إقرار وزارة الشؤون الاجتماعية للائحة الجمعيات ودعمها للصناديق الأسرية خطوة رائدة في تفعيل مفاهيم التواصل والتكافل والدعم المأمون داخل مجتمعنا الكريم، وهو مما يزيد ويقوي صلة الرحم يروى عن أنس - رضي الله عنه - قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه) متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: (أسرع الخير ثواباً: البر، وصلة الرحم، وأسرع الشر عقوبة: البغي، وقطيعة الرحم)،وعن أبي محمد جبير بن مطعم - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يدخل الجنة قاطع) قال سفيان في روايته: يعني قاطع رحم. «متفق عليه «.
تجسيد معنى التكافل
ويبيّن د. خالد الشريدة إن الدعوة لمثل هذا الصندوق تعكس أصالة وطيب معدن الأسر لتجسيد معنى التكافل والصلة فيما بينها، مشيراً إلى أنّ أسرته وضعت صندوقاً لأسرته قبل 17 عاماً ليقوم بدور مهم وفعّال في دراسة ورعاية ودعم الأسر والحالات المحتاجة من الأسرة ليكون أحد الأسباب المعينة لهم في حياتهم المعيشية ومتطلباتها، وأن وجود الصناديق العائلية تفتح فرصة مأمونة وموثوقة لوصول الزكاة والصدقة لأولى الناس استحقاقا لها حسب توجيه ديننا الحنيف «الأقربون أولى بالمعروف».
ويؤكّد د. الشريدة أن عدد من الأسر تعمل على تعزيز أواصر المحبة والصلة ودعم التضامن والتكافل فيما بينها. وتدعيم روابطها وبناء وحدة متلاحمة على أسس سليمة، معتمدة في ذلك على تنظيم وتوجيه وتنمية موارد أفرادها واستثمار إمكانياتها في الحدود الممكنة لسد احتياجاتهم وتهيئة الحياة الكريمة لهم. وتتضمن اللائحة التنظيمية للصندوق القواعد واللوائح المنظمة للعمل به، والأسس والدعائم التي تكفل استمراريته وبقائه للأجيال القادمة إن شاء الله، وبما يحقق النفع للجميع، ونسأل الله أن نكون ممن سعى في مرضاة الله وساهم في تقوية صلة رحم أسرتنا وكل من دعا وساند وشجع إقامة هذا الصندوق الخيري الأسري المبارك. فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ فقالت: فذلك لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} سورة محمد(22) (23) .(متفق عليه»،ولمجلس الصندوق مهام وضوابط في الاستلام والتسليم، ودراسة الحالات المستحقة.
واقترح د. الشريدة العمل على تفعيل إنشاء مثل هذه الصناديق بين الأسر من خلال تبني وزارة الشؤون الاجتماعية لها عن طريق إقامة ورش عمل مع الجهات التي تتبعها كمراكز التنمية ومراكز الأحياء وكذلك لجان التنمية.
لما لها من آثار إيجابية عديدة على التماسك والتكافل والتواصل الأسري وعلى التضامن الاجتماعي بوجه عام.
إخاء ورحم
ويؤكّد الدكتور ناصر بن عقيل الطيار رجل الأعمال المعروف على أهمية الصناديق العائلية في الأسر وذلك لتوثيق أواصر المحبة والإخاء والرحم وتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفرادها، والعمل على مساعدتهم حسب احتياجاتهم الضرورية من دية، أو إعالة، أو دين، أو من أصابته جائحة أو مصيبة ولم يكن سبباً فيها. وكذلك مساعدة المحتاجين منهم الذين يواجهون طوارئ أو مصاعب، مع إعالة المحتاجين من أفراد الأسرة كالأيتام، والأرامل، والمعاقين ورعايتهم، والمساهمة في مساعدة شباب الأسرة على الزواج منحاً أو إقراضاً.
ميزانية سنوية
ويشير د. ناصر الطيار إلى أنّ صندوق أسرتهم المتفرع من مجلس الأسرة الذي تأسس منذ واحد وعشرين عاماً في عام 1416 هـ يعتمد تمويله على الاشتراكات السنوية، وعوائد الاستثمار، والتبرعات السنوية أو المقطوعة، والزكوات، والوصايا، والهبات «عينية أو نقدية»، وللمجلس ميزانية سنوية يبيّن بها الإيرادات والمصروفات، وفي حالة وجود فائض في الميزانية يتم ترحيله إلى ميزانية العام المقبل.
وكشف د. الطيار عن لجنة الاستثمار التي تتولى تنمية فائض أموال الصندوق من غير الزكاة، سواء استثمار طويل الأجل أو قصير الأجل بالطرق الشرعية المناسبة، وكذا لجنة المساعدات والقروض التي تتولى إدارة موارد الصندوق والصرف منه وفق قواعد محددة للصرف على المحتاجين من الأسرة، لتحقيق وتوثيق أواصر القربى والرحم والمحبة والإخاء، وتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد الأسرة.
وناشد د. ناصر الطيار وزارة الشؤون الاجتماعية بتشجيع الأسر السعودية على إقامة الصناديق العائلية لتحقيق التكافل الاجتماعي الذي ينبع من تعاليم الإسلام ومبادئه، ويعود بالخير والنفع على الوطن، وعلى الوزارة تقديم كل سبل الدعم والمؤازرة لمساعدة الأسر الناشئة والصغيرة، والاستفادة من الأسر الكبيرة التي لها باع طويل في العمل الخيري وحققت - ولله الحمد - نتائج مبهرة طيبة.
تجربة الصندوق
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن عبدالله الهذلول نائب رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن في منطقة الرياض أن الصندوق الأسري خدم خدمة كبيرة، مما جعل العائلة تترابط بشكل كبير، وأوجد الرحمة والشفقة والعطف على من ابتلاه الله - سبحانه وتعالى - بشيءٍ من الفقر، ولو أنّ كل أسرة تبنّت المحتاجين منها لاستطعنا بتوفيق من الله - سبحانه وتعالى - أن نقلّص الفقر في مجتمعنا؛ لكن غالباً الذي لا يريد أن يرتبط بأسرته يجب أن نعالج وضعه النفسي ونوجد له استقراراً نفسياً ومن ثمّ ينطلق مع أهله؛ لأنه ولله الحمد هناك طبقة كبيرة من الناس موسرين يستطيعون الصرف على أنفسهم وعلى أقاربهم.
ويضيف قائلاً: أن لأسرتنا «أسرة الهذلول» في البدائع والخبراء والرياض تجربة في صندوق العائلة، كنّا في السابق يأتي إلينا من يحتاج من الأسرة إلى الصندوق ثمّ يُجعل له مصروف، وغيره، وبعد تطوّر العمل أصبحت الأسرة هي من تعرف أبناءها تذهب إليهم وتسدد ما عليهم من ديون أو أقساط لبعض الشركات أو سداد الإيجارات، وفي الغالب يوضع لهم راتب شهري، ولدينا اشتراك سنوي لكل مستطيع إما أن يكون 300 ريال أو 1000 ريال، وبدأنا ننمّي ذلك عن طريق الأوقاف، لدينا بعض الأوقاف القديمة وطوّرناها، ولازلنا الآن نسعى لإيجاد أوقاف.
أثر اجتماعي
واستشهد الأستاذ عبدالملك بن عبدالعزيز العُمري في قول الله - سبحانه وتعالى -: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى)، وقال في محكم التنزيل: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)، وقال في موضع آخر: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِيكِتَابِ اللَّهِ)،وقد جاء عند البخاري - رحمه الله - في الأدب المفرد من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « إن الرحم شُجْنة متمسكة بالعرش تكلم بلسان ذلق، اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني، فيقول تبارك وتعالى أنا الرحمن الرحيم وإني شققت للرحم من اسمي فمن وصلها وصلته ومن نكثها نكثته «، وغير هذا مما ورد في الوحيين مما يدل على أهمية صلة الرحم، ومدى عناية ديننا الحنيف بها، واهتمام نبينا - صلى الله عليه وسلم - بها، ولا يخفى على الجميع ما لصلة الرحم من أثر اجتماعي وترابط وتكافل مما من شأنه رفعة للأسر والمجتمع وتماسكها، وأثراً في مجتمعنا ووطنا، ومثوبة عند خالقنا، مشيراً إلى أن المجالس العائلية وصناديق الأسر الخيرية قد أدّت دوراً كبيراً في بعض الأسر الكريمة، وأرى الاهتمام بهذين العنصرين لتفعيل مجلس الأسرة فيما يعود عليها بالنفع الدائم، وذلك باتباع طريقة منظمة واضحة، وفق أساس مؤسسي، يراعي حال الضعيف والمحتاج، ويستفيد من قامات الخبرة والوجاهة والاستثمار في الأسر المباركة، لتكون طريقاً إلى زيادة التآلف والترابط.
نظام للصندوق
ويرى الأستاذ عبدالملك العُمري ضرورة الاهتمام بالصناديق الأسرية وأن أسرته لديها صندوق منذ ما يزيد على أربعين عاماً، ومن الأهمية بمكان وجود صندوق أسري في كل أسرة وفق نظام يسيرون عليه وليس مجرد اجتهادات شخصية ويكون للصندوق مجلس فيه رئيس وأعضاء وأمين للصندوق ويكون من مهام الصندوق:
1. استقبال الاشتراكات السنوية (أو الشهرية) بمبلغ يتفق عليه من جميع من تنطبق عليه شروط نظام الاشتراكات.
2. استقبال الهبات والتبرعات للصندوق.
3. صرف الإعانات للمستحقين لها وفق اللائحة الخاصة بها.
4. عمل الميزانية السنوية والمركز المالي للصندوق ورفعه لمجلس الأسرة لاعتماده.
5. إعداد خطة سنوية للصندوق توضح فيها البنود المتوقعة للصرف خلال السنة المالية القادمة.
ويجب أن يكون الاشتراك في الصندوق إجبارياً لكل من كان له مورد مالي يزيد عن خمسة آلاف ريال شهرياً، ويشمل ذلك الموظفين والمتقاعدين والعاملين بالقطاع الخاص وبالتجارة، وتحدّد قيمة الاشتراك بمبلغ متفق عليه ويجوز اختيارياً للمشترك زيادة ذلك، تحول على حساب صندوق الأسرة.
ويجب أن تقبل الهبات والتبرعات النقدية الزائدة عن الاشتراكات على حساب الأسرة، ويضاف إليها الأصول الثابتة كالعقارات الوقفية والقسائم الشرائية، وتوثق هذه الهبات في السجل الخاص مع كتابة اسم المتبرع والقيمة والبند الخاص بها.
وحين تستقبل أموال الزكوات في الصندوق فيجب أن توضع في بند خاص يصرف منها على مستحقيها، وفي الزكاة خصوصاً يجوز في حالة وجود فائض عن مستحقيها في الأسرة أن تصرف في غير الأسرة من وجوه الصرف المعتبرة شرعاً.
وبعد تخصيص مبالغ البنود الموجودة في الخطة السنوية، ومع عدم الإخلال بما في لائحة الصندوق من نظم، فإنه في حال وجود فائض في الصندوق فإنه يحال هذا الفائض إلى مناحي الاستثمار لاستثماره حسب ما يراه القائمون على الصندوق، على أن لا تتجاوز قيمة الأموال المستثمرة 33% من رأس مال الصندوق.