تمددت على السرير الأبيض تتحسس بيدها الباردة موطن جنينها الذي يسكن أعماقها وقد تلاشت حركته المعتادة وكأنه كان يسترق السمع عندما زف إليها الطبيب الخبر الصاعقة طفلك لن يعيش وإن عاش فهو مشوه ونحن حذرناك منذ بداية الحمل وأن إسقاطه أمر مستحسن وانت مصرة على التمسك به بلا مبرر..!
ابتلعت الصدمة بقوة إيمان وتسليم بقضاء الله وقدره.
لن أقتل تلك الروح بقرار مني فهو قطعة مني والله سيتولاه ويتولاني برحمته. تمتمت بذلك ثم فرشت سجادتها وسجدت لله طويلا.
لم تجف دمعتها بعد على رحيل رفيق دربها وحبيبها الذي رحل عنها وعن بناته بعز الشباب إثر حادث شنيع ولم تنته فترة العزاء الا وأخوته قد قرروا تقسيم الورث فهم جازمون بأن القادم فتاة تنضم لأخواتها بلا أخ يحرمهم من الميراث.
تخيلت نفسها وقد خرجت من منزلها الجميل لشقة صغيرة تتنقل بين رعاية الصغيرات الأربع وأخيهن المعاق، لم تفكر بكيفية الحصول على مساعدة لها برعايته فظروفهم الأيام القادمة ستكون أصعب بعد زوال أيام الرفاهية التي تربت عليها بناتها وإقبال سنوات عجاف ربما لن تستطيع الصمود أمامها.
ما زال صوت عم بناتها المتجبر يرن بأذنها: لن تطول فترة بقاء أملاك أخي لأكثر من أيام ننتظر بها وضع المولودة الجديدة يتوقعونها مولودة ربما لأن الطبيبة لم تتعرف بدقة على جنس الجنين المشوه فقالت يبدو أنها أنثى مشوهة، نظرت مبتسمة للحقيبة التي أعدتها لمولودها الذي توقعته جازمة ذكرا ليحمل اسم والده ويكون سندا بعدالله لأخواته فقد بانت نوايا عمومته وجشعهم وطمعهم منذ خبر وفاة زوجها.
وجهها الشاحب لا يحتاج لمساحق التزيين بقدر احتياجه لجرعات صبر وساعات نوم كافية، قرر الطبيب تنويمها وإجراء العملية وهو يرسم على شفتيه ابتسامة باهتة مصطنعة ويحاول تسليتها كي تستسلم للمخدر سريعا
وبعد ساعات مرت دون شعورها فتحت عينيها على وجه والدتها التي تضمها وتبكي. الحمد لله على سلامتك حبيبتي تحركت شفتيها وهي تبتلع ريقها بصعوبة بنت مشوهة 00!؟
صاحت والدتها والدموع تمزق صوتها بنشيج: بل ولد عاش لمدة ساعة ثم غادر الحياة. أعلن عن قدومه ليرث والده ويورث أخواته إنه رحمة من الله ورسول رحمة لن يتجرأ أحد بعد اليوم على إخراجك من بيتك وأملاك والد بنياتك فاحمدي الله واشكريه.
أغمضت عينيها وهي تحتضن جثة صغيرها بذهول فقد أثبت للعالم حولها أن رحمة الله فوق خططهم وبكلمة منه ضاعت أحلامهم الخالية من الإنسانية والرحمة.
- بدرية البليطيح