كم من مرّة سمعنا جميعاً في مكان العمل آراء من قبيل: «لا تعتبر المسألة شخصيّةً»، أو «مهلاً، ليس الأمر شخصيّاً، بل فقط على صلة بالأعمال». سمعنا عبارات من هذا القبيل عند التطرّق إلى التعليقات التقييميّة، والخلافات، والحوارات الصعبة، وإعادة الهيكلة، والصفقات الخاسرة، وفي مواجهة مطبّات الحياة المهنيّة، وشتّى المسائل اليوميّة التي نصادفها في مكان العمل.
ومع ذلك، تُعتبَرهذه الآراء سخيفة.
أمضي معظم ساعات صحوتي في مكان العمل، ومع ذلك، لا يجدر بي اعتبار المسألة شخصيّة؟ أفهم طبعاً أنّ مطالبة أحدهم بعدم اعتبار المسألة شخصيّة هي خير سبيل لحماية الذات في سياقات العمل التي قد تبدو محفوفة بالصعوبات والمخاطر. لكنّ «اعتبار المسألة شخصيّة» له أيضاً حسناته.
ترتبط أولى هذه الحسنات بالنجاح والرفاهية. وفي هذا الإطار، يكفي أن تفكّر للحظة في أشخاص صادفتهم، واعتبرتهم شديدي الإلهام والنشاط والنجاح. وسترى على الأرجح أنّهم يعتبرون العمل مسألة شخصيّة.
وكذلك، فكّر في الرابط بين الموظّفين الملتزمين والأداء في العمل. ما هو الالتزام إن لم يكن «اعتبار المسائل شخصيّة»؟ بالنظر إلى تدنّي مستويات التزام الموظّفين في مكان العمل، يتّضح أنّ «عدم اعتبار المسائل شخصيّةً» قد يولّد تداعيات واضحة للعيان.
لكنّ المسألة أيضاً مسألة أخلاقيّات، حيث إنّ «عدم اعتبار المسائل شخصيّة» على صلة وثيقة بعدد كبير من الفضائح الأخلاقية في الشركات، التي تشمل أموراً عدّة، بدءاً بالابتزاز والاحتيال في المحاسبة، ومروراً بمسائل مرتبطة بسلامة العاملين وحماية البيئة.
عندما يقرّر المسؤولون التنفيذيّون والموظفون اعتماد مفهوم مستهتر يفيد بأنّ «المسألة ليست شخصيّة إنّما مسألة أعمال»، يكونون قد تخلّوا عن مسؤوليّاتهم كأعضاء فاعلين في المجتمع.
لهذه الأسباب وغيرها، اتّضح لي أنّه في حال كنّا نريد تولّي مسؤولياتنا فعلاً والقيام بواجباتنا كمسؤولين تنفيذيين – واستغلال قدراتنا كقادة – فلابدّ لنا من اعتبار المسألة شخصيّة إلى أقصى الحدود.
بقلم: دانكن كومب - أستاذ مشارك لمادّة السلوك المؤسسي والقيادة في كلّية «إي إم دي» للأعمال.