حسام إبراهيم فلاتة ">
أتذكر أنني في إحدى المناسبات هاتفت أحد المخابز بأمريكا لعمل طلبية لصديق كنوع من (الفزعة)، أخبرتهم حينها بأنه سيكون هناك من سيدفع لهم المبلغ المستحق عند توصيلهم الطلبية. فما كان رد الموظفة إلا «بكل سرور فقط نحتاج بعض البيانات لإكمال الطلب»..!! على النقيض من ذلك، في مناسبة أخرى حاولت عمل ذات الشيء -و بكل ثقة -مع أحد أشهر المخابز في المملكة فكان رد الموظف «بكل سرور، لكن نحتاج إلى دفع نصف قيمة الطلبية حضورياً ليتم إتمام الطلب..!! «حينها أيقنت أنها أيضاً « مشكلة فكر»..!
من المعلوم أن الثقة مطلب في التعاملات الحياتية بجميع أنواعها، و تزداد أهميتها في العمليات التجارية التي تقوم على تبادل المنافع بين طرفين قد يجهل أحدهما الآخر، فالإقدام على التعاقد غالباً ما يكون مرهوناً بمدى ثقة الطرفين ببعضهما البعض. في الحديث عن الثقة في العمليات التجارية، عادةً ما يتم التركيز و تسليط الضوء على ثقة المستهلك بالتاجر، مهملين وجهها الآخر و هو ثقة التاجر في المستهلك و الذي لا يقل أهمية عن الأول.
إنه بما لايدع مجال للشك، أن لثقة المستهلك في التاجر أهمية بالغة مُستمدة من أهمية دور المستهلك في العملية الاقتصادية؛ إذ أن السلع لا قيمة و لا معنى لها بدونه. لذا فإن تزعزع ثقة المستهلك حيال شركة أو منتج ما قد يؤثر سلباً على قيمة الشركة و منتجاتها. استشعاراً لذلك تولي كبريات الشركات ثقة المستهلك اهتماماً بالغاً، و تسعى دوماً إلى بناء هذه الثقة، فهي تحرص على كسبها و تتنافس مع مثيلاتها في الحصول على ولاء المستهلك لتستأثر به دون غيرها، و هو ما يبرر الفارق في قيمة العلامات التجارية للشركات، فقيمة العلامة التجارية مرتبطة بمدى ولاء المستهلك و وثوقه في العلامة التجارية أو (اللوقو).
يعزز ذلك العالم (جلين اوربان) مؤسس نظرية «التسويق المبني على الثقة»، و التي تنتهج بناء علاقة مع المستهلك على نحو عالٍ من الثقة بتقديم معلومات صحيحة و شاملة تمكن المستهلك من إتخاذ القرارات الصحيحة في العملية التجارية. علاوة على ذلك يتفانى متبنو هذه النظرية التسويقية في القيام بكل ما يسهم في كسب ثقة المستهلك، منها على سبيل المثال تقديم خدمات ما بعد البيع و توضيح آلية الإرجاع و الاستبدال و غيرها. إلا أن خلق مثل هكذا علاقة لا يتأتى دون مبادرة التاجر بالثقة في المستهلك ابتداءً.
تتمحور ثقة التاجر في المستهلك، بصفة عامة في وفاء المستهلك بالتزامه الناشئ عن العلاقة التعاقدية، والذي من أبسط أمثلته دفع الثمن في حال وُفّر له مطلبه. في بعض الأحيان، و لضعف الثقة في المستهلك، قد يلجأ التاجر إلى الاحتراز بوضع التدابير التي قد تخفف من وطء خسارته المتوقعة من جراء إخلال المستهلك بإحدى التزاماته، على سبيل المثال: (العربون) أو دفع نصف قيمة الطلبية. إنه لمن المنطقي أن يتحرز كلا الطرفين (التاجر والمستهلك) من الآخر، بل إن عدم الاحتراز قد يكون له تبعات و خسائر جسيمة. إلا أن شيء من المخاطرة من قبل التاجر قد يكون محموداً بالنظر إلى العوائد التي قد يجني ثمارها من ذلك على المدى البعيد.
تتمثل المخاطرة في تقديم بعض التنازلات و ما يستطاع من التسهيلات في سبيل كسب ولاء المستهلك، والتي بلا شك سيكون لها أثر إيجابي على العميل. فبحسب العديد من الدراسات المعنية بالتسويق و بسلوك المستهلك، إن ولاء العميل يتناسب طرداً مع مقدار الثقة الممنوحة له في التعامل و التي تُشعره بنوع من الارتياح النفسي تجاه التاجر، و هو ذات الأمر الذي يجعل المستهلك يحرص على الرجوع مرة أخرى للتعامل مع ذات التاجر، و ما يجعله مساهماً بشكل فعّال في إحالة مستهلك جديد من خلال الرسائل الإيجابية التي يقدمها لمعارفه و لبيئته المحيطة مما يعني زيادة مبيعات و أرباح التاجر.
إنه من الجدير بالذكر أن إيجاد علاقة مبنية على الثقة بين التاجر و المستهلك لا تقتصر فوائدها على التاجر فحسب، بل تتعداه إلى دعم الاقتصاد الوطني من خلال زيادة العمليات التجارية. لذا أرى أنه ينبغي على شركاتنا -و بخاصة الشركات الكبرى- المبادرة بالوثوق بالمستهلك و اعتمادها إستراتيجية لكسب العملاء. ليس لتحقيق مصالحها الشخصية فقط، بل للاضطلاع بدورها الوطني في تحقيق أحد أهداف إستراتيجية التحول الوطني مطبقين بذلك المثل الحجازي « حَج و بيع سُبح».
- أكاديمي مهتم بحماية المستهلك و التجارة الإلكترونية