صدى رحلة شعرية إلى (أملج) الجمال والبياض ">
... وفي عصرية ماتعة، وضعت رَحْلِي في السواحل الشمالية الغربية من مملكتنا الحبيبة حيث (أملج) المدينة الآسرة.. المدينة البيضاء، والفاتنة العذراء.. والشواطئ الفيحاء، الحاسرة عن جمالها لكل الزائرين (سياحة ومعرفة وأدباً)، والمورقة بالروح الاجتماعية المتجذرة في العمق الإنساني.
(أملج) فضاء مورق بالتاريخ والحاضر.. تتجلى في ماضويتها كما ينبغي أن تكون في حاضرها ومستقبلها فهي مدينة المستقبل بكل امتياز. هذه الفاتنة لا تملك إلا أن تحبها، وتحب أهلها وتترقى معهم في مدارج الكمال (خلقاً وطيبة، اعتزازاً وانتماءً).
(أملج) كانت حلماً وأملاً أسعى لتحقيقه، لأتعرف على جزءٍ غالٍ من بلادي الحبيبة وذلك ضمن مشروعٍ سياحي أطوف فيه سواحل الشمال الغربي لبحرنا الأحمر حيث (أملج الوجه، ضبا، حقل) وها أنذا اليوم أحقق أولى الخطوات في زورة سريعة لمدينة المستقبل (أملج).
لم أتردد – أبداً – عندما دعاني الأخ الكريم رئيس اللجنة الثقافية بأملج – والتابعة لنادي تبوك الأدبي – الأستاذ الأديب محمد السناني، للمشاركة في ختام الموسم الثقافي في أمسية شعرية وطنية اختار لها عنوان «مشاعر وطنية» وذلك مساء الثلاثاء 28-5-1437هـ.
وحزمت حقائبي إلى مدينة البياض، مدينة (الحوراء)، مدينة البحر والجبل، مدينة الصفاء والنقاء وقبل الوصول كانت عبارات الترحيب والشكر والتقدير ترافقني عبر أثير جوالي العتيق، فرئيس اللجنة من جانب، ورفيق الرحلة مندوب اللجنة كذلك. وثالثهم الأديب الرقيق والصحفي العتيق الأستاذ/ مقبول الجهني الذي صافحني هاتفياً بدعوته للمسامرة في داره العامرة بعد الأمسية الماتعة!! فللجميع الشكر والعرفان!!
أخذتني الأفكار والآمال عن تصفح الطريق ما بين ينبع وأملج، وسرحت بالخيال في هذا الجمال الذي يوحِّد بلادنا من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب ومن السواحل إلى الجبال بفضل من الله ثم بدور المؤسس عبدالعزيز آل سعود وحكام البلاد من بعده، أبناؤه الأبرار!!
ما بين ينبع وأملج مسافة من الفضاء الصحراوي الممتد يميناً وشمالاً، وخضرة ومراعي، ومواشٍ هنا وهناك ومصنعاً للأسمنت، وآخر للجبس، ولوحات تشير إلى بعض القرى على جانبي الطريق ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أمام المدخل الجنوبي للمدينة حيث يقابلنا ذلك المبنى الجامعي لطالبات الكلية الجامعية، ثم يرافقنا البحر اللجِّي من جهة اليسار حتى ندخل إلى طريق الملك عبدالله (رحمه الله) الذي يوصلنا إلى النُّول المعد للسكن على شاطئ (الدقم)، والجمال يأخذنا في كل مجال!!
حفاوة استقبال رائعة من مضيفنا رئيس اللجنة الثقافية وعلى موعد الأمسية تركنا لترتاح أجسادنا استعداداً للشعر والمشاعر الفياضة بحب الوطن ورجالاته وقادته!!
قلت في نفسي،كيف أرتاح وجمال الشاطئ يغري برياضة المشي قبيل الغروب، فكان القرار، خروجاً إلى البحر، وإشباعاً لحاجة التأمل والتعرف والابتهاج، وطلباً لمزيد من الطاقة الإيجابية التي تتجدد مع صوت الموج ورطوبة الشاطئ وربية الحُسْن والجمال.
وما أجمل الصُّدَف وأنا على الشاطئ وحيداً أمشي وإذا بصوت يناديني باسمي فإذا هو الصديق الأديب الدكتور ناصر الحميدي أحد رجالات التعليم بجدة سابقاً، وأحد رواد الصالون الثقافي: أسبوعية القحطاني، الذي عُيِّن حديثاً بالكلية الجامعية في أملج أستاذاً وأكاديمياً للغة العربية وآدابها وكم سعدت بهذا اللقاء الذي زاد من الطاقة الإيجابية والنظرة التفاؤلية التي توحي بها هذه المدينة الفاتنة وشاطئها الساحر في ساعة الغروب!!
وجدت على الشاطئ شاباً سعودياً يبيع الشاي وملحقاته فعرفت أن له قصة مع سعادة المحافظ زياد البازعي الذي كان في جولة تفقدية فاستوقفه هذا الشاب طالباً منه الإذن والسماح للعمل المنتج في هذا الموقع وتعرضه للإيقاف والإيذاء من قبل البلدية ومفتشيها، فما كان من المحافظ -حفظه الله- إلا التشجيع والسماح والإيعاز للبلدية بتمكينه من ذلك لظروفه الخاصة!! وهكذا تكون العصامية،وهكذا تحفز وتشجع القيادة الراشدة!!
هذه (أملج) الفاتنة، تفتح ذراعيها للضيوف تحفهم بالضياء والبياض ومتعة اللقاء، وهانحن في قاعة المحاضرات بإسكان الملك عبدالله لوالديه، ونقابل أعيان المدينة ومثقفيها وأعضاء المجلسين البلدي والمحلي، ومجموعة من المعلمين والأكاديميين والطلاب الذين توافدوا للمشاركة في الأمسية الختامية للجنة الثقافية بعنوان (مشاعر وطنية)، والاستماع للقصائد الوطنية من بعض شعراء المدينة وكلمات نثرية وخطابية، زادها بهاءً وحضوراً مشاركة سعادة المحافظ الأستاذ زياد بن عبدالمحسن البازعي الذي عرفت بأنه دائم المشاركة والدعم والتحفيز لهذه اللجنة ومناشطها الثقافية.
قابلت الرجل قبيل الأمسية، وبعدها على العشاء ودعانا للغداء في اليوم التالي، فشعرت بإنسانية هذا الرجل المعطاء، وروحه الاجتماعية، وفضاءاته المعرفية ولمست عن كثب أفكاره القيادية والإدارية، رجل بشوش الطلعة، فارع الطول، باسم الملامح، واضح العبارة، قيادي مبدع!!
يحدث عن فرق العمل وكيف تقود إلى النجاح المأمول، ويحدثك عن العلاقات الإنسانية وكيف في ظلِّها يتعايش المختلفون ويأتلف المتنازعون. يحدثك عن الرحلات الأخوية/ غير الرسمية لتحقيق المصالح الرسمية والتي تجمع قادات العمل الإداري في المحافظة. ويحدثك عن المدينة وأهلها وكأنه واحد منهم يعيش أفراحهم ويشارك أحزانهم، ويكون القريب الودود منهم، وكل ذلك من أجل تحقيق الأهداف والغايات يقول: أنا خادم للمجتمع وما وُضِعْتٌ في هذا المكان إلا لتحقيق تطلعات الأهالي والقيام بالمسؤوليات والأمنة التي كلفني بها ولي الأمر!!
نعم هذه هي القيادة المتفردة الواعية بواجباتها والحريصة على الإبداع والتجديد فيها.
هذه (أملج) المدينة البيضاء والفاتنة العذراء.. جئتها شاعراً وطنياً، ومشاركاً في أمسية إبداعية وطنية، استمعت إلى شعرائها فكانت قصائدهم تنضح بالولاء والانتماء والصفاء الوطني الصادق وأعجبني ذلك الشاب خالد الشريف الذي ألقى قصيدة وطنية فكانت روحه ولغة الجسد والصوت الجهوري ومخارج اللغة تبشر بمتحدث يمتلك روح الخطابة والتأثير. واستمعت إلى الطالب/ الفتي يوسف.. وهو يقرأ قصيدة وطنية كتبها والده حفظه الله فكان بحق حلاوة الأمسية إلقاءً وحضوراً ذهنياً وقدرة على الوقوف أمام الجمهور.
استمعت إلى شعر صادق، ودعيت للمشاركة فكانت مساحة من الوقت والحب والتجاوب. كانت مشاعر تقترب من الأنس والفرح والاعتزاز بوطن يمنحنا الكثير ولا نعطيه إلا القصائد والانتماء والعمل السديد!! أهديت أهل (أملج) قصيدة بكراً ولدت على الشاطئ بعنوان: يا أرض (حوراء) الحبيبة.. قلت فيها:
«ماذا أحدث عن جمال فاتن
عند الشواطئ مدهش وعجيب
هذي (الرمال البيض) أجلى آية
في الخافقين فما لها تكذيب
وأراه في كل المدى متوغاً
يدنو من الآمال وهو قريب
يا أهل (أملج) جئتكم متسربلاً
بالحب يشعل خافقي ويذيب
هذه (أملج) الحوراء، الممتلئة بياضاً وحباً في أرضها وإنسانها.. جئتها ضيفاً فاستقبلني أهلها والنخب المثقفة بالحب والدعاء والحوار الهادف البناء، وكلٌّ يدعوك لداره أو استراحته كرماً للضيافة ومزيداً من الشعر ولكن الوقت قصير وسعادة المحافظ كفَّى ووفَّى بدعواته الكريمة، وترتيباته الأنيقة لرحلة بحرية ماتعة في صباح اليوم التالي وعلى متن (يخته) الأنيق وبرفقة الزملاء محمد السناني وحمزة الرفاعي وحسن الحميدي -أحد زوار المحافظة آنذاك- وائد اليخت إبراهيم.
جولة ماتبعة شاهدت ما لم أشهده في أي شاطئ آخر بياض الرمل وقاع البحر وصفاء الماء وجمال الجزر ونظافة الساحل. فهذه جزيرة جزاية وهذه جزيرة أم جلوف وجزيرة أطاويل وجزيرة أم الملك، وجزيرة المنقلب، وعلى البعد نشاهد جبل حسان!!
ولأول مرة أشاهد قاع البحر من صفاء الماء وزجاجيته كانت الدلافين تشاركنا المتعة الصباحيَّة فها هي تقترب من اليخت وتمارس رياضة الغوص والرقص العجيب. شاهدت التربة البيضاء فصدقت مقولة الرومان والتاريخ القديم!!
جولة بحرية لن تنسى وثقناها بالتصوير والتسجيل المرئي بحرافة الفنان حسن الحميدي وحمزة الرفاعي رفقاء الرحلة الصباحية الماتعة.
هذه (أملج) مدينة الضياء والمستقبل، فمن بحرها وشاطئها وسواحلها وجزرها إلى بلدتها التاريخية التي حرصت على زيارتها والاطلاع على معالمها وهاهي اليوم ترتدي حلة من التجديد والتحسين لتكون مركزاً حضارياً وآثارياً تشرف عليه هيئة السياحة والآثار ولجنة التنمية السياحية بالمحافظة.
ها هي البيوت القديمة والسوق الشعبي والوكالات ومسجد أبو جبل ومبنى الإمارة القديم يعاد ترميمها وإصلاح المشربيات والرواشين على الصورة القديمة التي كانت عليها لتكون إرثاً حضارياً يعيشه جيل اليوم عزاً وافتخاراً وانتماءً!!
نعم هذه (أملج) مدينة قديمة تتجدد، وحديثة تسابق الزمن، مدينة يحملها النور إلى آفاق المستقبل أراه ندياً، فاعلاً، متألقاً.
جئتها ضيفاً منشداً، وأعود منها شاكراً ومؤملاً أن تكون إحدى واجهات بلادي البحرية، وإحدى المدن السياحية، وإحدى المعالم الحضارية والآثارية، ففيها كل الإمكانات التي تجعلها كذلك.
كما أتمنى أن يبادر رجال الأعمال في المحافظة أو خارجها من الاستثمار في مجال الفندقة والأسواق المركزية والملاهي الشاطئية، والرحلات البحرية، والمتاحف الخاصة، والبيوت التراثية.
وأتمنى أخيراً – استمرار اللجنة الثقافية برئاسة أخي المبدع، المايسترو المحرك، الذي تجده في كل مجال 0 (الثقافة، السياحة، الإعلام، التنمية) الأستاذ محمد حامد السناني، صاحب الكسرات والأحاديث الودية، والروح المتفائلة، والعمل الدؤوب، ودماثة الأخلاق. وأن تتحول هذه اللجنة إلى نادٍ أدبي مستقل أو مركز ثقافي يقدم الوجه الثقافي والإبداعي لهذه المحافظة الجميلة.
وأخيراً، هذه (أملج) التي بَنَيتُ لها في نفسي مكاناً أثيراً تحتله ما حييت!! عرفت فيها ثلة من الكرام أولي العزم والكرم والفكر أمثال الشيخ الوجيه رجل الأعمال الداعم للمناشط الثقافية والجمعيات الخيرية عبدالهادي عبدالكريم الجهني، والشيخ فايز الحمدي مدير الأوقاف، واللواء متقاعد عبدالعزيز الجهني، والأستاذ نبيل الأحمدي مدير المعهد العلمي، والشيخ فواز الرفاعي والأستاذ حمزة الرفاعي، والصحفي القدير مقبول الجهني والأستاذ الدكتور علي القرني عميد الكلية الجامعية، والدكتور ناصر الحميدي أستاذ اللغة والأدب بالكلية الجامعية، والشيخ محمد العلي، ومع هؤلاء جميعاً سعادة المحافظ/ الإنسان القائد الفعال زياد البازعي ورئيس اللجنة الثقافية محمد السناني وأعضاء اللجنة حفظهم الله.
والحمد لله رب العالمين.
د. يوسف حسن العارف - جدة 6-6-1437هـ