إن سيرة الشاعر أحمد الصالح الشخصية والعملية والعلمية معروفة لديكم ولن أضيف إليكم جديدا بالحديث عنها، وحين رغب إليّ الأخوة والزملاء في الجمعية المشاركة في ندوة تكريمية عن الشاعر الصالح رأيتُ أن أعبّر أمامكم عن (خواطر) و(تأملات) تجاه الشخصية المكرّمة ورحلته الشعرية، بعد ارتباط - دام 20 عاما - بشعره وشاعريته ودواوينه المخطوطة والمطبوعة وأمسياته، وبما كتب عنه النقاد.
خاطرة 1 : لقد (أتى علينا حينٌ من الدهر) فظننا أن أحمد الصالح كائن شعري لا يتحدث إلا شعرا، ولا يتنفس إلا شعرا، ولا يتغذى إلا شعراً، ويعيش في بيت شعري عالٍ، لا يصله إلا شاعرٌ في مستواه، فإذا بي أجد أنني أمام شاعر إِنسان رقيق فكاهي، ما أسهل أن تدخل إلى قلبه، وتدخل في بُرجه الشعري.
خاطرة 2 : ثم (أتى علينا حين من الدهر) وظننّا أنه شاعر معتدٌ بنفسه، باذخٌ بشاعريته، لا يرى لأحد فضلا أو مكانا معه في كتابة الشعر التفعيلي في المملكة، ولكنه حين سُئل عن هذا، اعترف بفضل سعد البواردي وسعد الحميدين وآخرين بقوله : ((ليس « عندما يسقط العراف « ولا « رسوم على الحائط « البداية الحقيقية للشعر الحر أو الجديد - كما نسميه - في المملكة.. ولقد سبق إلى ذلك رواد كبار كالمفكرين الرائدين الاستاذ محمد حسن عواد رحمه الله والأستاذ الشاعر / سعد البواردي أمد الله في عمره.. اللذين يعدان من أول من كتب هذا النوع من الشعر الحديث في المملكة.. ولكن قد يكون الديوانان المشار إليهما أول ديوانين يغامر الشاعران بطباعتهما كديواني شعر في فترة زمنية واحدة مقتحمين فترة من الركود كأنهما اتفقا على هذا التحدي والذي لم يكن باتفاق مسبق بينهما، ولكن هذا الإصدار المتزامن أعطاهما هذا الانطباع بين الناس)) / من مجلة بيادر/
خاطرة 3 : ثم (أتى علينا حينٌ من الدهر) فرأى بعض النقاد المحافظين أن أحمد الصالح جاء بتجربته الشعرية الجريئة الجديدة ليهدم ما تبقى من عمود الشعر العربي وأوزانه وبحوره وقوافيه المعهودة، حين وجدوا أنفسهم أمام شاعر ينظم الشعر التفعيلي بجسارة وتمكّن، فاتهمه بعضهم أنه لا يحسن الشعر العمودي، أو أن له موقفاً سلبياً نحوه، ويريد القضاء عليه، فإذا بنا أمام شاعر عمودي أصيل متمكن أكثر تمكّنا من بعض المحافظين أنفسهم، فإذا قرأت له شعرا تفعيليا بدا لك وكأنه لا يعرف الشعر العمودي، وإذا قرأت له شعراً عمودياً بدا لك وكأنه لا يعرف الشعر التفعيلي .
O خاطرة 4 : ثم (أتى علينا حينٌ من الدهر) وقد ظنّ بعض النقاد أنهم أمام نسخة وطنية محلية باهتة الملامح من (نزار)، فلا يتحدث إلا بالمرأة وعن المرأة وحول المرأة، وواقع الأمة السياسي، فإذا بنا نجده - فيما بعد - شاعرا إِنسانا اجتماعيا واخوانياً ووجدانيا، وإذا به يتخذ لنفسه خطاً شعرياً مختلفاً، عليه بصمته ونكهته، متخذا من الأنثى في شعره رمزاً وقناعاً ومعادلاً موضوعياً لكثير من همومه ورؤاه.
خاطرة 5 : ثم (أتى علينا حينٌ من الدهر) وظننا أنه - في السنوات الأخيرة - وبعد رحلته الشعرية الممتدّة سيخلد إلى الراحة والهدوء، فإذا بسبعة دواوين جديدة تصدر في الثلاثة الأعوام الأخيرة عن طريق الأندية الأدبية في المملكة، ووعد بأن لديه دواوين أخرى في الطريق .
خاطرة 6 : ثم (أتى علينا حينٌ من الدهر) وظننّا أن دواوينه الأولى التي انقرضت من الأسواق، لن يُكتب لها أن تظهر مرة أخرى، بل ظنّ بعض النقاد أن الشاعر فرح بانقراضها كما يفرح بعض الشعراء بذلك، بعد أن يكشف النقاد ما فيها من المثالب والهفوات، فإذا به يُصدر مجموعته الشعرية الأولى عام 1425هـ بعد مرور قرابة 30 عاماً على إصداره الأول، وقد ضمّت دواوينه الأولى كما هي دون حذف أو تعديل أو تصحيح فيها، بل إنه أضاف إلى المجموعة نماذج من شعر البدايات، وكان هدفه من هذا كما قال : (ليعلم الموهوبون الذين يحبون الشعر ويكتبون إبداعاتهم الأولى أن الشعر يبدأه المبدع بدايات غضة لينة العود، ولكنه بالقراءة وسعة الثقافة ورعاية الموهبة سيكون ذا شأن في ركب المبدعين).
وبعد هذه ( الأحايين ) : نجد أن رحلة الشاعر أحمد الصالح مع الشعر التي قاربت 50 عاماً، وأثمرت اثني عشر كوكباً (ديوانا) مطبوعاً، لهي جديرة بأن يَتمعّن فيها كل شاعر ناشئ، ليرى أن الشعر - كما قيل - صعب وطويل سُلّمه إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه، زلّت به نحو الحضيض قدمه، وليت مبدعينا وأدباءنا يكتبون للأجيال القادمة ملخصاً وصوراً مما مرّ بهم من مواقف وعثرات ونجاحات، فما أحوج المبتدئ إلى يدٍ حانية، وتوجيه أبوي، وقدوة صالحة، لقد نشر الشاعر أحمد الصالح منذ فترة قريبة سيرة مختصرة عن رحلته مع الشعر، تضمّنت دروساً تربوية وأدبية لكل أديب ناشئ، وأرى أن هناك الكثير مما لم يُفصح عنه، وننتظر أن يُتبعها بحلقات جديدة منها بين فترة وأخرى.
الحركة النقدية حول شعره
لقد كتب عن أحمد الصالح - على مدى 40 عاماً - نقاد وأساتذة وباحثون وصحفيون ومحاضرون، وبتأمل هذه الحركة النقدية حول شعره - وهي حركة جديرة بالتمعن والنظر - ظهر لي في هذه الحركة :
نقادّ (نافعون)، ونقاد (منتفعون)، فالنقاد النافعون : هم نقاد مخلصون منصفون معتدلون، خدموا شاعرية الصالح بدراسات متزنة رصينة، احترمت الدارس والمدروس، والناقد والمنقود.... أما النقاد المنتفعون : فهم نقاد وباحثون وصحفيون خدمتهم شاعرية أحمد الصالح المتوهجة حين استظلوا بها، وأمضوا فترة في بلاطها، واصطحبوها في عناوين دراساتهم، فقضوا وطرهم ومآربهم من دراسة شاعريته، ونالوا ما يريدون من شهادات أكاديمية أو انتشار صحفي، أو مردود مادي، كما فعل من قبلهم كثيرون في بلاط شاعرية المتنبي، أو بلاط شاعرية القصيبي، أو بلاط شاعرية نزار، أو بلاط الغذامي وغيره .
إضاءات وشهادات
أ - لقد تم تداول ودراسة شعره في ثلاث بيئات نقدية هي : 1 - البيئة الأكاديمية على يد أساتذة جامعيين 2 - بيئة طلاب الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه) 3 - بيئة الصحافة والإعلام.
ب - كان د / حسن الهويمل : أول أكاديمي أشار وأشاد بشاعرية أحمد الصالح في رسالته للماجستير (اتجاهات الشعر المعاصر في نجد) عام 1394هـ قبل أن تصدر له دواوين مطبوعة، وكذلك د / عبد الله الحامد في كتابه : الشعر الحديث في المملكة 1408هـ .
ت - ثم لا يكاد يخلو كتاب أو رسالة في الشعر السعودي الحديث - بعد الهويمل والحامد - من ذكره، ودراسة شعره، فهو رقم مهم فيه، ثم بدأ بعض طلاب الدراسات العليا باختيار موضوعاتهم حول ظاهرة من ظواهر شعره، وهذه الأطروحات اعتمدت على المدونة الشعرية للشاعر في مجموعته الشعرية الأولى 1425هـ ، في حين أن أحمد الصالح كشف عن طور، ووجه شعري جديد في الدواوين الخمسة الأخيرة، هو الوجه الإِنساني الاجتماعي العاطفي، وهو شعر ينتظر أدوات بحثية مختلفة، لتكشف عن إِنسانيته.
ث - بيئة الصحافة
ومن الصعوبة استخراج المواد الصحفية التي تناولت شعر الصالح في صفحاتها، ولكني أكاد أجزم بأن الباحث سيجد في كل صحيفة ومجلة سعودية مقالاً أو لقاء أو قصيدة له أو عنه.
أ.د/ إبراهيم عبد الرحمن المطوع - جامعة القصيم